إن فكرة الجدول تقوم على نظرية سيبويه في مخارج أصوات العربية، مع إعادة النظر بموقع مخرج الضاد، ووضعه مع أخواته ( ت ط د ) حسب النطق المعاصر، مع دمج اللام والراء والنون في مخرج واحد، على مذهب الفراء ومن تابعه من القدماء والمحدثين، وحذف مخرج النون المخفاة لأنها فرع من النون الأصلية.
والجدول يفسر لنا بوضوح أحكام النون الساكنة، بناء على القرب والبعد في مخارج الأصوات من مخرج النون، فأبعد الأصوات مخرجاً، وهي أصوات الحلق، لا تؤثر في النون، فكان حكمها الإظهار، وأدنى الأصوات مخرجاً من النون، وهي اللام والراء أثَّرَت في النون وقلبتها وذلك لقربهما منها، أو لاشتراكها معهما في المخرج، بناء على القانون الصوتي القائل بأن الأصوات كلما تدانت مخارجها كان التأثر أقوى، وكلما تباعدت ضعف التأثير بقدر بُعْدِها، ولم تقرب بقية الأصوات من النون قرب اللام والراء فتدغم فيها، ولم تبعد عنها بعد أصوات الحلق فتظهر معها، فكان حكمها بين الإدغام والإظهار، وهو الإخفاء. ولعلك تستغرب من وضع الباء والواو والياء مع أصوات الإخفاء، لأنك اعتدت أن ترى الواو والياء مع حروف الإدغام ( بغنة)، والياء يستقل بحكم منفرد وهو الإقلاب، لكنني وضعتها مع حروف الإخفاء لأن الإدغام بغنة، والإقلاب، هما في الحقيقة إخفاء للنون عند هذه الأصوات الثلاثة (١)، والقضية تحتمل المناقشة، ولكن ليس هذا المكان المناسب لذلك.
ولعل من المفيد قبل أن أتحدث عن تعريف الإخفاء تذكير القارئ بأن جدول مخارج الأصوات يمكن أن يُفَسِّرَ أيضاً عدداً من الظواهر الصوتية الأخرى، مثل ظاهرة إدغام لام التعريف في أربعة عشر صوتاً، استناداً إلى قرب مخارجها من اللام، وإظهارها مع بقية الأصوات التي بعدت مخارجها، وذلك على النحو الآتي :
جدول مخارج أصوات العربية