والمتأمل في أداء القراء المعاصرين يجد تبايناً في طريقة إخفاء النون وتعدداً في مذاهب القراء فيه، وقد يكون من أسباب ذلك غموض تعريف إخفاء النون في كتب التجويد. وفي الدراسات الصوتية العربية المعاصرة ما يفيد في دراسة ظاهرة إخفاء النون، وعلى المشتغلين بعلم التجويد تأليفاً وتعليماً أن يضموا ذلك إلى جهود علماء العربية وعلماء التجويد المتقدمين، حتى تتضح حقيقة الإخفاء للدارس والمتعلم، وتتحدد طريقة أدائه. وهذه القضية تعطي مثالاً لما يمكن أن يتحقق من إحاطة علماء التجويد المعاصرين بالدرس الصوتي الحديث (١).
المبحث الثالث
العلاقة بين علم التجويد وعلم الأصوات اللغوية
إن عنوان هذا المبحث يشير إلى تمايز بين العلمين، وإلاَّ لو كانا علماً واحداً لَمَا اتخذ الموضوع هذا المنحى في النظر إليهما والبحث عن العلاقة بينهما، ولكن النظر في موضوعات العلمين والقضايا التي تستأثر باهتمام المتخصصين بهما، يُبَيِّنُ أن بينهما قدراً كبيراً من التشابه والاشتراك في بحث موضوعات واحدة، ويبدو أن تطور الدرس الصوتي العربي في العصر الحديث قد أدَّى إلى هذه النتيجة التي تشير إلى أنهما علمان لكل علم منهما كتبه، ومنهجه في البحث، لكن هذا التطور التأريخي للبحث لا يمكن أن يلغي ما بين العلمين من وشائج تجعلنا ننظر إليهما على أنهما وجهان لعملة واحدة، يكمل أحدهما الآخر، ويستفيد أحدهما من نتائج البحث في الآخر. وهذا الأمر يقتضينا إلقاء نظرة على تاريخ الدراسات الصوتية العربية والموضوعات التي عالجتها.