يشير بعض المؤرخين لتاريخ الدراسة الصوتية اللغوية إلى أن الدراسة الصوتية العربية سبقت غيرها من الدراسات في تثبيت حقائق هذه الدراسة على أسس علمية (١). وكانت نشأة هذه الدراسة عربية خالصة ارتبطت بقراءة القرآن الكريم، شأنها في ذلك شأن علوم اللغة العربية الأخرى. ويمكن أن نتتبع تاريخ تلك الدراسة من خلال ثلاث مراحل : مرحلة الدرس الصوتي عند علماء العربية، ومرحلة ظهور علم التجويد، ومرحلة الدرس الصوتي الحديث.
المرحلة الأولى : الدرس الصوتي عند علماء العربية :
كانت بواكير الدرس الصوتي العربي قد جاءت مرتبطة بالدراسات اللغوية العربية الأولى، وكان ما كتبه سيبويه ( ت ١٨٠هـ) في الكتاب عن أصوات العربية في ( باب الإدغام) قد أرسى أسس هذه الدراسة، وأعطاها موضوعاتها، وثبَّت مصطلحاتها (٢). والتزم علماء العربية الأوائل مثل المبرد وابن السراج ببحث أصوات العربية على نحو ما فعل سيبويه، واستطاع ابن جني أن يجمع الموضوعات الصوتية في كتابه ( سر صناعة الإعراب )، الذي ألمح فيه إلى " علم الأصوات والحروف " (٣). ولا يقلل من شأن هذا الكتاب في مجال الدرس الصوتي العربي المباحث الصرفية واللغوية التي جاءت مختلطة بالمباحث الصوتية.
وكانت دراسة الأصوات عند علماء العربية مرتبطة ببحث عدد من المسائل الصرفية التي تختلط بالدراسة الصوتية مثل : الإدغام والإبدال والإمالة (٤). ولم تَخْطُ هذه الدراسة عندهم خطوة أُخرى تكمل ما بدأه ابن جني ليكون علم الأصوات مستقلاً عن النحو والصرف، وقد ضعفت الدراسة الصوتية لدى علماء العربية المتأخرين وكأن علماء التجويد حملوا عنهم عبء هذا الموضوع.
المرحلة الثانية : ظهور علم التجويد

(١) ينظر : المدخل إلى علم أصوات العربية ص ٩
(٢) ينظر : الكتاب ٤/٤٣١ وما بعدها
(٣) سر صناعة الإعراب ١/١
(٤) ينظر : سيبويه : الكتاب ٤/٤٣٦، وابن جني : سر صناعة الإعراب ١/٣- ٤


الصفحة التالية
Icon