وكانت فكرة اللحن الخفي تقف وراء الدراسات الصوتية عند علماء التجويد، فقد درسوا أصوات اللغة معتمدين على ما كتبه علماء العربية، لكنهم كانوا يدققون في صور النطق، فرصدوا الانحرافات الصوتية، مما سَمَّوْهُ اللحن الخفي، وحذروا من مواقعته، وبينوا سبل الاحتراز منه، وقد تحققت لعلماء التجويد بذلك فرصة لدراسة أصوات العربية دراسة شاملة، شملت : المخارج والصفات، والأحكام، واللحن، وعيوب النطق.
المرحلة الثالثة : الدرس الصوتي العربي الحديث
اطلع المتخصصون بالدرس اللغوي العربي على عدد من كتابات المستشرقين في قواعد اللغة العربية، التي ظهرت في مصر في النصف الأول من القرن الميلادي الماضي، منها محاضرات المستشرق الألماني برجستراسر عن ( التطور النحوي للغة العربية ) التي ألقاها سنة ١٩٢٩ في الجامعة المصرية، والقسم الأول منها في دراسة أصوات العربية، وكذلك محاضرة المستشرق الألماني أرتور شادِهْ عن ( علم الأصوات عند سيبويه وعندنا )، والتي نُشِرَتْ في صحيفة الجامعة المصرية سنة ١٩٣١.
وتضمنت هذه المحاضرات عرضاً للفكر الصوتي الحديث، ورصداً لعدد من المشكلات الصوتية التي يثيرها هذا الفكر، ولم ينعكس ذلك على دراسة علم التجويد، فظلت تعرض مسائله وقضاياه بالطريقة الموروثة ذاتها في الرسائل التي أُلفت فيه في هذه الحقبة.
وكانت الخطوة الثانية التي أسست للدرس الصوتي العربي الحديث قد تمت على يد عدد من الباحثين الذين درسوا هذا العلم في الجامعات الغربية، وكان في مقدمتهم الدكتور إبراهيم أنيس الذي أصدر كتابه ( الأصوات اللغوية ) سنة ١٩٤٧، والدكتور تمام حسان الذي أصدر كتابه ( مناهج البحث في اللغة ) سنة ١٩٥٥، والدكتور محمود السعران الذي أصدر كتابه ( علم اللغة : مقدمة للقارئ العربي ) سنة ١٩٦٢. وفي أثناء ذلك تمت ترجمة كتاب ( اللغة) للغوي الفرنسي فندريس سنة ١٩٥٠.