وللباحث أن يتساءل عن مصدر القراءات الناتجة عن رخصة الأحرف، وهل كان مصدرها الوحي مثل القراءة العامة التي تلقى بها النبي - ﷺ – القرآن من جبريل – عليه السلام – أو نزل القرآن بحرف واحد وقراءة واحدة ثم قرأه النبي – ﷺ – بالقراءات، أو أقّر للصحابة القراءة بالوجوه التي كانوا يقرؤونها، بحسب ما تيسر لهم.
يمكن للدارس أن يجد قولين في هذه المسألة، وإن كان معظم علماء السلف لم يتعرضوا لها بالنقاش، وأقدم من أثار هذا التساؤل حول الموضوع، في ما اطلعت عليه، هو ابن خالويه ( ت ٣٧٠هـ)، فقال في كتابه ( إعراب القراءات السبع وعللها ) :" فإن سأل سائل فقال : أهذه الحروف نزلت على رسول الله - ﷺ – بهذا الاختلاف والوجوه، أم نزلت بحرف واحد، وقرأها رسول الله - ﷺ – باللغات ؟
فالجواب في ذلك، وبالله التوفيق :
أن طائفة قالت : إنها نزلت على سبعة أحرف من سبعة أبواب في العرضات التي كان جبريل عليه السلام ينزل بكل سنة فيعرض عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون : بل نزل القرآن بلغة قريش، وبحرف واحد نحو ﴿ مالك يوم الدين ﴾ [ الفاتحة ٤] بأسرها، ثم أمَرَ النبي - ﷺ – تسهيلاً على امته، أن يقرأ كل قوم بلغتهم، وهي سبع لغات متفرقة في القرآن" (١).
وقال السيوطي :" وقد حكوا خلافاً غريباً في الآية إذا قُرئت بقراءتين، فحكى أبو الليث السمرقندي ( ت ٣٧٥هـ) في كتاب البستان قولين :
أحدهما : أن الله قال بهما جميعاً.
والثاني : أن الله قال بقراءة واحدة، إلا أنه أذِنَ أن نقرأ بقراءتين... قال : فإن قيل : إذا قلتم: إنه قال بإحداهما، فأي القراءتين هي؟ قلنا : التي بلغة قريش، انتهى" (٢).

(١) إعراب القراءات السبع وعللها ١/١٨ – ٢٠
(٢) الإتقان ١/٢٢٦- ٢٢٧


الصفحة التالية
Icon