ولا حجة لهم في قول ابن مسعود نزل القرآن على سبعة أحرف، إنما هو كقول أحدكم : هلم وتعال وأقبل، لأن هذا الحديث يوجب أن القراءات المأثورة المنقولة بالأسانيد الصحاح عن النبي – ﷺ – إذا اختلفت ألفاظها واتفقت معانيها كان ذلك بمنزلة الخلاف في هلم وتعال و أقبل، فأما ما لم يقرأ النبي – صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وتابعوهم – رضي الله عنهم – فإنه من أورد حرفاً منه في القرآن فقد بهت ومال وخرج من مذهب الصواب.
قال أبو بكر : والحديث الذي جعلوه قاعدتهم في هذه الضلالة حديث لا يصح عن أحد من أهل العلم، لأنه مبني على رواية الأعمش عن أنس، فهو مقطوع ليس بمتصل، فيؤخذ به، من قبل أن الأعمش رأى أنساً ولم يسمع منه (١).
وأكد هذا المعنى أيضا أبو بكر الباقلاني ( ت ٤٠٣هـ) وذلك حيث قال :" وكيف يجوز لقائل أن يقول : إن القراءة بالمعنى جائزة مع العلم بما كانوا عليه من المثابرة على نقل القرآن على ما سمعوا وشدة تحاميهم في ذلك وكثرة الروايات فيه... ويدل على ذلك أن النبي – ﷺ – قال :" رحم الله امرءاً سمع مقالتي فأداها كما سمعها، فربُّ حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه " وقوله - ﷺ - :" من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " فكيف يأخذ عليهم أن يؤدوا مقالته كما سمعوها منه ويبيح لهم مع ذلك نقل القرآن بالمعنى ؟ هذا ما لا يقول محصل (كذا)، وقد أجمع الكل ممن أجاز رواية الحديث [ بالمعنى] ومن لم يجز ذلك على منع قراءة القرآن بالمعنى... ". (٢)

(١) نقلاً عن : القرطبي : الجامع أحكام القرآن ١٩/٤١-٤٢
(٢) نكت الانتصار ص ٣٢٨- ٣٢٩


الصفحة التالية
Icon