ومن علماء السلف من حمل ما يروى من قراءات مخالفة لخط المصحف، بزيادة كلمة أو تبديل كلمة بأخرى، على التفسير، قال أبو بكر الباقلاني :" وكان منهم من يقرأ التأويل مع التنزيل، نحو قوله :( الصلاة الوسطى )[ البقرة ٢٣٨] وهي صلاة العصر.." (١).
وقال أيضا :" ويجوز أن يكون كل سامع منهم لهذه القراءات أو واجد لها في مصاحفهم إنما كان منهم على وجه التفسير و التذكرة لهم، والإخبار لمن سمع القراءة أن هذا هو المراد، نحو قوله ( والصلاة الوسطى ) وهي صلاة العصر" (٢).
وقال المهدوي ( ت ٤٤٠هـ) :" وحملوا جميع ما جاء من الروايات مخالفاً لخط المصحف، إذا تيقنت صحته، على التفسير، لا أنه من التلاوة " (٣).
ويؤيد ذلك ما رواه الترمذي عن مجاهد بن جبر المكي أنه قال :" لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود لم أحتج إلى أن أسأل ابن عباس عن كثير من القرآن مما سألت " (٤). قال شارحه المباركفوري :" أي لِمَا وقع في قراءته تفسير كثير من القرآن" (٥).
وللحديث عن القراءات المخالفة للخط موضع آخر من هذا البحث، وإنما الذي يعنينا هنا هو توضيح موقف العلماء من أصل القراءات القرآنية ومدى ارتباطها بالوحي المنزل على رسول الله – ﷺ – ولعل موقف أبي شامة المقدسي ( ت ٦٦٥هـ) أقرب إلى تمثيل وجهة نظر أكثر علماء السلف في هذا الموضع، ويصلح أن نختم به حديثنا عن هذه المسألة.

(١) نقلاً عن أبي شامة : المرشد الوجيز ص٢٤١
(٢) نكت الانتصار ص ١٠٢
(٣) الموضح ص ٩٦، وينظر : النحاس : القطع والائتناف ص ٢١٢ و ٢٥٨ و ٤٧٤ و ٥١١، والقرطبي : الجامع لأحكام القرآن ١/٤٧، وأبو حيان : البحر المحيط ٧/٦٥
(٤) سنن الترمذي ٥/١٨٤
(٥) تحفة الأحوذي ٨/٢٨٢


الصفحة التالية
Icon