وليس هناك ما يشير إلى دخول شيء من وجوه القراءة التي جاءت بها رخصة الأحرف السبعة في كتابة القرآن في هذه المرحلة، فالقرآن كان يُكتب بإملاء النبي - ﷺ – ويقرؤه زيد بعد الفراغ من الكتابة للتأكد من صحة المكتوب، ولم يكن صعباً على زيد بن ثابت تفهم نطق النبي - ﷺ – للقرآن، وكتابته، فلم تكن الفوارق اللغوية كبيرة بين لغة قريش ولغة أهل المدينة، وكلاهما ترجعان إلى مجموعة لغوية عربية واحدة هي اللغة الحجازية، ومن المرجح أن قراءة زيد بن ثابت للقرآن كانت تماثل قراءة رسول الله - ﷺ – لتلقيها منه، وكتابتها بين يديه، واعتياده لها لكثرة سماعها منه – ﷺ -.
وصرّح الشيخ محمد أبو زهرة إن كتابة القرآن في هذه المرحلة لم يدخلها شيء من رخصة الأحرف السبعة، وذلك في قوله :" إن الذي كتب في عصر النبي – صلى الله تعالى عليه وسلم – لم يعتره تغيير، ولم تجر عليه الحروف السبعة، وإن الحروف السبعة كانت في قراءة القرآن لا في كتابته ". (١)
وفي خلافة أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – جُمِعَ القرآن في الصحف بعد أن كان مفرقاً في الرقاع، وقام بالعبء الأكبر في ذلك العمل كاتب الوحي لرسول الله - ﷺ – زيد بن ثابت، وقال له أبو بكر :" إنك رجل شابٌّ، عاقلٌ، لا نَتَّهِِمُك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله - ﷺ – فتتبع القرآن فاجمعه "، وكان ذلك بعد حروب الردة، ومعركة اليمامة خاصة، في قصة معروفة رواها البخاري وغيره. (٢)

(١) المعجزة الكبرى ص ٣٦
(٢) البخاري : الجامع الصحيح ٦/٨٩ و ٢٢٥ و ٩/٩٢، والترمذي : السنن ٥/٦٢٤، وابن أبي داود : كتاب المصاحف ص ٦-٨


الصفحة التالية
Icon