وبَينَ السنةِ الثانية عشرة من الهجرة، التي كُتِبَتْ فيها الصحف، والسنة الخامسة والعشرين التي نُسِخَتْ فيها المصاحف، اتسعت بلاد الإسلام، وتضاعف عدد المسلمين، واحتاجوا إلى من يعلمهم القرآن، وتولى ذلك علماء القراءة من الصحابة، واستغرق ذلك معظم خلافة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه –الذي أبدى اهتماماً عظيماً بتعليم الناس القرآن والفقه والعربية، فأرسل المعلمين إلى الأمصار لتعليم القرآن، فكان زيد بن ثابت وأبي بن كعب في المدينة، وعبد الله بن مسعود في الكوفة، وأبو موسى الأشعري في البصرة، وأبو الدرداء في دمشق، ومعاذ بن جبل في فلسطين، وعبادة بن الصامت في حمص (١). وتكونت حول هؤلاء الصحابة مدارس لإقراء القرآن والتفسير والفقه.
وكان من نتائج تلك الجهود في تعليم القرآن أمور منها :
(١) بروز الخلاف في القراءة، وهو استمرار للوجوه التي كان يقرأ بها الصحابة القرآن، في ظل رخصة الأحرف السبعة، لكن الأجيال اللاحقة لم تكن تدرك ما أدركه الصحابة من حكمة تلك الرخصة، فاشتد الجدل بين المعلمين والمتعلمين، وجعل بعضهم يخطّئُ قراءة الآخر (٢).
(٢) ظهرت في الأمصار مصاحف مكتوبة على قراءة الصحابة الذين أخذوا عنهم القرآن، قال ابن عطية :" واشتهرت في خلال ذلك صحف في الآفاق كُتِبَتْ عن الصحابة، كمصحف ابن مسعود، وما كُتِبَ عن الصحابة في الشام، ومصحف أبي بن كعب، وغير ذلك. وكان في ذلك اختلاف حسب السبعة الأحرف التي أنزل القرآن عليها" (٣).

(١) ينظر : ابن سعد : الطبقات الكبرى ٦/٧ و ٢/٣٤٥ و ٢/٣٥٧
(٢) ينظر : ابن أبي داود : كتاب المصاحف ص ١٣ -١٤ و ص ٢١
(٣) مقدمة تفسير ابن عطية ص ٢٧٤


الصفحة التالية
Icon