وجعل ذلك عثمان بن عفان يفكر في جمع الأمة على مصحف واحد، بعد أن بلغه اختلاف الناس في القراءة، وكان أول ما بدأ به هو استشارة الصحابة الذين في المدينة حول ذلك الأمر، فقالوا : نعم ما رأيت (١). واتخذ من الصحف التي جمع فيها زيد بن ثابت القرآن في خلافة أبي بكر أساساً لنسخ المصاحف الجديدة.
وانتدب الخليفة لهذا العمل أربعة من الصحابة، من ذوي الحفظ والمعرفة بالكتابة، وهم زيد بن ثابت الأنصاري، وثلاثة من أبناء المهاجرين من قريش وهم : عبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، على ما جاء في رواية البخاري في صحيحة. (٢)
وحدد الخليفة لهؤلاء الصحابة الأساس اللغوي الذي يستندون إليه في تثبيت نص القرآن، والقراءة التي يرسمون نطقها في المصاحف، فجاء في تلك الرواية :" وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل القرآن بلسانهم "، وسبق تحقيق القول في مسألة نزول القرآن بلغة قريش بما يغني عن إعادة الكلام عليها هنا مرة أخرى.
والقضية التي ينبغي الوقوف عندها هي تحديد دلالة كتابة القرآن بلسان قريش، وقد حمله الجعبري على ( مصطلحهم في الكتابة ) (٣)، لكن علم الدين السخاوي فسره بقوله :" يريد لحنهم ولسانهم ولغتهم " (٤)، وهو الرأي الراجح، لأن الخلاف كان في القراءة والنطق وليس في مصطلح الرسم، وحين عرضوا المصاحف وتوقفوا عند بضعة كلمات، منها :( التابوت ) و ( لم يتسنه ) سألوا علماء القراءة عنها مثل أبي بن كعب وزيد بن ثابت، لتحقيق كيفية النطق، وليس لمعرفة شكل الكتابة (٥).
(٢) صحيح البخاري ٦/٢٢٦
(٣) جميلة أرباب المراصد ص ١٩٨
(٤) الوسيلة إلى كشف العقيلة ص ١٥٢
(٥) ينظر : أبو عبيد : فضائل القرآن ص ٢٨٦، والطبري : جامع البيان ٣/٣٨