ولا شك في أن جمهور العلماء يذهبون إلى أن مصحف عثمان كُتِبَ على حرف واحد، وهو حرف زيد بن ثابت، المستند إلى لغة قريش، وأن الأحرف الستة الأخرى لم تدخل في الكتابة، وقال الطبري : إن عثمان – ر ضي الله عنه – قد أسقطها وتُرِكَت القراءة بها (١). وهذا قول قد جمع فيه الطبري بين الصواب وغيره، وهو محض اجتهاد منه، وقد ناقشه العلماء وبينوا وجه الحق فيه. (٢)
ويجب التفريق بين القول : إن مصحف عثمان كُتِبَ على حرف واحد وقراءة واحدة، وهو أمر ثابت، ويتناسب مع الغاية التي أرادها عثمان والصحابة من نسخ المصاحف، وبين القول : إن رسم المصحف يحتمل أكثر من حرف أو قراءة، بسبب تجرد الكتابة من النقط والشكل. قال مكي بن أبي طالب :" فالمصحف كُتِبَ على حرف واحد، وخطه محتمل لأكثر من حرف، إذ لم يكن منقوطاً ولا مضبوطاً
، فذلك الاحتمال الذي احتمل الخط هو من الستة الأحرف الباقية " (٣). وسأتحدث عن القضية في الفقرة الآتية.
(٢) القراءات القرآنية بعد نسخ المصاحف العثمانية :
من الحقائق التي تمخض عنها البحث في أصول الكتابة العربية في عصر صدر الإسلام أنها كانت خالية من نِقاط الإعجام وعلامات الحركات، وكان الداني قد قال قديماً :" إن العرب لم تكن أصحاب نقط وشكل " (٤). وكانت المصاحف العثمانية مجردة من تلك العلامات شأنها شأن ما كان يكتب بالعربية في ذلك الزمان.

(١) جامع البيان ١/٢٨
(٢) ينظر : مكي : الإبانة ص ١٠-١٢، وكان ابن حزم نسب قائل هذا القول إلى الكفر والردة [ الأحكام ٤/٥٥١] والعياذ بالله.
(٣) الإبانة ص ١٧٦
(٤) المحكم ص ١٧٦


الصفحة التالية
Icon