وذهب بعض علماء السلف إلى أن الصحابة جرَّدوا المصاحف من النقط والشكل ليحتمل خطها أكثر من قراءة، فالداني الذي قال : إن العرب لم تكن أهل نقط وشكل، يقول :" وإنما أخلى الصدر منهم المصاحف من ذلك ومن الشكل من حيث أرادوا الدلالة على بقاء السعة في اللغات والفسحة في القراءات التي أذن الله تعالى لعباده في الأخذ بها والقراءة بما شاءت منها، فكان الأمر على ذلك إلى أن حدث في الناس ما أوجب نقطها وشكلها" (١). وأشار إلى ذلك ابن تيمية أيضا، حين قال في إجابته المشهورة عن سؤال حول الأحرف السبعة :" فإنه إذا كان قد سَوَّغ لهم أن يقرؤوه على سبعة أحرف كلها شافٍ كافٍ، مع تنوع الأحرف في الرسم، فَلأن يسوغ ذلك مع اتفاق ذلك في الرسم وتنوعه في اللفظ أولى وأحرى. وهذا من أسباب تركهم المصاحف أول ما كُتِبَتْ غير مشكولة ولا منقوطة، لتكون صورة الرسم محتملة للأمرين، كالتاء والياء، والفتح والضم، وهم يضبطون باللفظ كلا الأمرين، وتكون دلالة الخط الواحد على كلا اللفظين المنقولين المسموعين المتلوين شبيهاً بدلالة اللفظ الواحد على كلا المعنيين المنقولين المفهومين " (٢). وأخذ ابن الجزري هذه الفكرة عن ابن تيمية (٣)، وذكرها بعض المحدثين (٤)، لكنها فكرة لا يؤيدها ما عُرِف من تاريخ الكتابة العربية، فلم تَعْرِفِ الكتابة العربية نظاماً لنقاط الإعجام وللحركات إلا على يد أبي الأسود الؤلي ( ت ٦٩هـ) ونصر بن عاصم الليثي ( ت ٩٠هـ) والخليل بن أحمد الفراهيدي ( ت ١٧٠هـ) (٥).
(٢) مجموع الفتاوى ١٣/٤٠٢
(٣) ينظر : النشر ١/٣٣، ومنجد المقرئين ص ٢٢
(٤) أبو زهرة : المعجزة الكبرى ص ٤٠ و ٥٠
(٥) ينظر تفصيل هذه القضية في كتابي : رسم المصحف ص ٤٦٩- ٤٧٤