وإذا كانت القراءة تتوقف صحتها والأخذ بها على روايتها وتلقيها عن النبي - ﷺ – وصحابته، فإن موافقتها لرسم المصاحف العثمانية صارت شرطاً ثانياً يميز بين القراءة الصحيحة المقبولة والقراءة الشاذة المتروكة، وصار الرسم " هو الركن الأعظم في إثبات القرآنية للقرآن" (١)، وإنما حصَّل مصحف عثمان - رضي الله عنه – هذا المحل لإجماع الصحابة وسائر الأمة عليه (٢).
ومما يلفت النظر، ويثير العجب قول ابن حزم :" فمن أين وجب أن يراعى خط المصحف، وليس هو من تعليم رسول الله، لأنه كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، واتباع عمل من دون توقيف منه - عليه السلام - لا حجة فيه ولا يجب قوله" (٣). لكن رسم المصحف وإن لم يكن من تعليم رسول الله – ﷺ – فإنه كُتِبَ بين يديه، وعلى لفظه، وكان يستعيد ما كتبه الكاتب ليتأكد من صحته، وهو من عمل الصحابة الذين تلقوا القرآن عن رسول الله - ﷺ – ونحن لم نعرف القرآن إلا عن طريقهم، وصارت المصاحف العثمانية أصح وثيقة لحفظ نص القرآن الكريم، منذ أن كتبت المصاحف إلى زماننا هذا.
وبعد نسخ المصاحف في خلافة عثمان، وتفريقها في الأمصار، وتحريق ما سواها، صارت هي الحجة في قراءة القرآن، فما وافق رسم هذه المصاحف من القراءات المروية عن الصحابة كان مقبولاً وصحت القراءة به، وما كان مخالفاً لرسمها تُرِكت القراءة به، وإن كان مروياً، لمخالفته خط المصحف الذي أجمع الصحابة على كتابته، وتكفي في تأكيد هذه الحقيقة بضعة نصوص :

(١) الشوكاني : إرشاد الفحول ١/٦٤
(٢) ابن عبد البر : التمهيد ٤/٢٧٩
(٣) الإحكام ٤/٥٥٦


الصفحة التالية
Icon