والإجابة عن هذا السؤال تحتمل أمرين : فمن قال إن ما خالف خط المصاحف العثمانية من الأحرف السبعة – وهو الراجح – فإنه يقول : إن ما وافق الخط من القراءات بعض الأحرف السبعة لا كلها. ومن قال : إن ما خالف الخط مما روي أن بعض الصحابة كان يقرأ به، إنما هو تفسير لا قراءة فإنه يقول : إن القراءات الموافقة للخط هي جميع الأحرف السبعة.
ومما له صلة بهذه القضية ما ذهب إليه الطبري من أن قراءات القراء المشهورين لا علاقة لها بالأحرف السبعة، بناء على مذهبه في أن مصحف عثمان كُتِبَ على حرف واحد وأن الستة الأحرف الأخرى قد اندثرت (١)، وذلك حيث قال :" فأما ما كان من اختلاف القراء في رفع حرف وجرِّه ونصبه، وتسكين حرف وتحريكه، ونقل حرف إلى آخر، مع اتفاق الصورة، فمن معنى قول النبي - ﷺ – بمعزل... " (٢).
وكان سفيان بن عينية قد سبق الطبري إلى مثل هذا القول، بناء على أن الأحرف السبعة في رأيه هي كقولهم : هلم، وتعال، وأقبل، مما فيه إبدال لفظ بلفظ مرادف له (٣) على نحو ما أشرنا من قبل إلى مذهب سفيان والطبري في معنى الحرف السبعة.
وهذا المذهب يثير إشكالاً كبيراً ويتركه من غير إجابة، وهو إذا لم تكن هذا القراءات من الأحرف السبعة فما هو مصدرها، وما مستندها ؟ وأشار القرطبي إلى أن بعض العلماء يقول : إن هذه القراءات السبع راجعة إلى حرف واحد من الأحرف السبعة، وهو الذي جمع عليه عثمان المصحف (٤). وهذا القول لا يبتعد كثيراً عن مذهب الطبري.

(١) ينظر : جامع البيان ١/٢٨
(٢) جامع البيان ١/٢٩
(٣) ينظر : ابن عبد البر : التمهيد ٨/٢٩٣، وأبو شامة : المرشد الوجيز ص ١٠٥
(٤) الجامع لإحكام القرآن ١/٤٦


الصفحة التالية
Icon