٣. الانتقال من الأحرف إلى القراءات :
كان يقال : حرف زيد بن ثابت، وحرف أبي بن كعب، وحرف عبد الله بن مسعود (١)، ثم صار يقال : قراءة نافع، وقراءة عاصم، وقراءة ابن كثير... وهكذا، وربما قيل : قراءة زيد، لكن غلب على المتقدمين استخدام كلمة ( حرف) للإشارة إلى قراءات الصحابة، وكلمة ( قراءة) للإشارات إلى اختيارات علماء القراءة من التابعين وتابعيهم.
وكانت مدارس القراءة بدأت تتشكل حول المصاحف التي أرسلها عثمان إلى كل مصر من الأمصار الخمسة، فتلقى التابعون القراءة عن علماء القراءة من الصحابة، وأدَّوْها إلى تابعي التابعين، وهكذا تناقلت أجيال الأمة قراءات القرآن عبر العصور. لكن رواية القراءات في القرن الأول والثاني خضعت لظاهرة جديدة تركت آثارها على القراءات، وهي " ظاهرة الاختيار " في القراءة.
وكلمة ( الاختيار) تدل على المفاضلة بين أمرين أو أكثر، واصطفاء أحدهما، وصارت للكلمة في علم القراءات دلالة أكثر تحديداً، وهي التعبير عن قيام قارئ للقرآن باعتماد وجه من وجوه القراءة المروية، في كل حرف من حروف القرآن المختلف في قراءتها، في تعليمه القرآن وتلاوته له، فيقال : اختيار فلان، أي قراءته التي اختارها. قال مكي :" وهؤلاء الذين اختاروا إنما قرؤوا لجماعة، وبروايات، فاختار كل واحد مما قرأ وروى قراءة تنسب إليه بلفظ الاختيار " (٢).
وليس معنى اختيار القارئ قراءة أنه يقوم باختراعها، قال أبو عمرو الداني :" وإن معنى إضافة كل حرف مما أنزل الله تعالى إلى من أضيف إليه من الصحابة، كأُبيٍّ وعبد الله وزيد وغيرهم، من قبل أنه كان أضبط له، وأكثر قراءة وإقراء به، وملازمة له، وميلاً إليه لا غير.
(٢) الإبانة ص ٤٩