وكذلك إضافة الحروف والقراءات إلى أئمة القراءة بالأمصار المراد بها أن ذلك القارئ وذلك الإمام اختار القراءة بذلك الوجه من اللغة، وآثره على غيره، وداوم عليه ولزمه، حتى اشتهر وعُرف به، وقُصِدَ فيه، وأُخِذَ عنه، فلذلك أُضيف إليه دون غيره من القراء، وهذه الإضافة إضافة اختيار ودوام ولزوم، لا إضافة اختراع ورأي واجتهاد" (١).
وظاهرة الاختيار في القراءة قديمة ترجع إلى عصر التابعين، أو أقدم من ذلك، فقد روي أن عبد الله بن عباس قال :" قراءتي قراءة زيد، وأنا آخذ ببضعة عشر حرفاً من قراءة ابن مسعود" (٢). وذكر ابن الجزري أنها ثمانية عشر حرفاً (٣). والذي حملهم على الاختيار هو أنهم التقوا بعدد من الشيوخ وأخذوا منهم قراءتهم، وفيها من وجوه الاختلاف ما هو معروف، فلما أرادوا تعليم القراءة لتلامذتهم ومن يقرأ عليهم لم يمكنهم تعليم تلك الوجوه كلها لتلامذتهم، فاختار كل واحد منهم قراءة يتمسك بها ويعلمها، فاشتهرت عنهم تلك الوجوه التي اختاروها، وعرفت باختيار فلان أو قراءته.
ولا يتسع المقام لتتبع جميع اختيارات القراء، ولذلك فإني سأكتفي بما يوضح الظاهرة ويبين أثرها على القراءات ورواياتها، وسوف أتتبع الظاهرة في قراءات مدينة رسول الله - ﷺ – ومدينة الكوفة، فهي أكثر بروزاً في هاتين المدينتين، في عصر التابعين وتابعي التابعين، وأقف بعد ذلك على أثر هذه الظاهرة على القراءات القرآنية وروايتها.
(٢) ابن أبي داود : كتاب المصاحف ص ٥٥
(٣) غاية النهاية ١/٤٢٦