أما المدينة فإن القراءة الغالبة فيها كانت قراءة زيد بن ثابت، التي توافق قراءة جمهور الصحابة فيها، وكانت تعرف بقراءة الجماعة، أو العامة، وهي التي كُتِبَت عليها المصاحف، لكن المدينة لم تخلُ من القراءات الأخرى، وقد تلقى التابعون تلك القراءات عن الصحابة، ثم تجمعت عناصرها في قراءة نافع بن أبي نعيم، الذي قرأ على سبعين من التابعين (١). وكان أشهر شيوخه في القراءة خمسة، هم : عبد الرحمن بن هرمز الأعرج (ت ١١٧هـ)، وأبو جعفر يزيد بن القعقاع (ت١٣٠هـ)، وشيبة بن نصاح (ت١٣٠هـ)، ومسلم بن جندب الهذلي ( ت ١١٠هـ)، ويزيد بن رومان ( ت١٢٠هـ). (٢)
قال نافع :" أدركت هؤلاء الخمسة وغيرهم... فنظرت إلى ما اجتمع عليه اثنان منهم فأخذته وما شذَّ فيه واحد تركته، حتى الّفتُ هذه القراءة". (٣)
وكان نافع يُقرئ الناس بجميع القراءات إلا أن يقول له إنسان أريد قراءتك، فيقرئه حينئذ باختياره. (٤)
أما الكوفة فإنها كانت من أكثر المدن الإسلامية نشاطاً في القراءة بعد المدينة المنورة، وذلك لنزول عدد من علماء الصحابة فيها، واتخاذها عاصمة في خلافة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. قال ابن مجاهد :" وأما أهل الكوفة فكان الغالب على المتقدمين منهم قراءة عبد الله بن مسعود... فلم تزل قراءة عبد الله بالكوفة لا يعرف الناس غيرها، وأول من أقرأ بالكوفة القراءة التي جمع عثمان - رضي الله تعالى عنه – الناس عليها أبو عبد الرحمن السُّلَمي، واسمه عبد الله بن حبيب، فجلس في المسجد الأعظم، ونصب نفسه لتعليم الناس القرآن، ولم يزل يُقرئ بها أربعين سنة". (٥)

(١) ينظر : ابن مجاهد : كتاب السبعة ص ٦٢
(٢) ينظر : ابن الجزري : غاية النهاية ٢/٣٣٠
(٣) ابن مجاهد : كتاب السعة ص ٦٢
(٤) ينظر : السخاوي : جمال القراء ٢/٤٤٧، وابن الجزري : النشر ٢/٣٠٤
(٥) كتاب السبعة ص ٦٦- ٦٨


الصفحة التالية
Icon