قال حفص : فلم أحب الرجوع عن قراءة أبي عبد الرحمن، فثبتُّ عليها، وهي قراءة عاصم التي لم يزل يقرأها " (١).
وكان من قراء الكوفة علي بن حمزة الكسائي ( ت ١٨٩هـ) قبل انتقاله إلى بغداد، قال ابن مجاهد :" وكان علي بن حمزة الكسائي قد قرأ على حمزة ونظر في وجوه القراءات، وكانت العربية علمه وصناعته، واختار من قراءة حمزة وقراءة غيره قراءة متوسطة، غير خارجة عن آثار مَن تقدّم من الأئمة". (٢)
وكان القراء يخضعون في اختيارهم القراءة إلى ضوابط أو شروط، وهي التي سماها العلماء أركان القراءة الصحيحة، التي أشرنا إليها من قبل، قال مكي :" وهؤلاء الذين اختاروا إنما قرأوا لجماعة، وبروايات، فاختار كل واحد مما قرأ وروى قراءةً تنسب إليه بلفظ الاختيار... وأكثر اختياراتهم إنما هي في الحرف إذا اجتمع فيه ثلاثة أشياء : قوة وجهه في العربية، وموافقته للمصحف، واجتماع العامة عليه" (٣).
وكانت ظاهرة الاختيار في القراءة قد تركت آثاراً عميقة في تشكيل القراءات بالشكل الذي استقرت عليه منذ عصر ابن مجاهد ( ت ٣٢٤هـ) ومن أهمها ما يأتي :
(١) امتزاج قراءات الأمصار :
كانت قراءات الأمصار متميزة بعضها عن بعض، فكانت تغلب على أهل كل مصر قراءة من قراءات القراء المشهورين من الصحابة، فكانت في المدينة قراءة زيد بن ثابت، وفي الكوفة قراءة عبد الله بن مسعود، وفي البصرة قراءة أبي موسى الأشعري، وفي الشام قراءة أبي الدرداء، وقد تداخلت هذه القراءات في عصر التابعين وتابعي التابعين، واختفت بأسمائها المعروفة لتظهر في أسماء جديدة هي اختيارات القراء من التابعين وتابعيهم.
(٢) المصدر نفسه ص ٧٨، وينظر : ابن النديم : الفهرست ص ٣٢
(٣) الإبانة ص ٤٩