ولم يكن أثر الاختيار يقف عند حد اختفاء اسم زيد وعبد الله من القراءات، وظهور اسم نافع أو عاصم أو حمزة وغيرهم، وإنما يتجاوز ذلك إلى انتقال وجوه القراءات من قراءة إلى أخرى، بما لا يقع تحت الحصر، ولكن يمكن أن يكون ذلك واضحاً من خلال ظاهرتي الهمز والتسهيل، والفتح والإمالة، فالهمز والإمالة ظاهرتان تغلبان على قراءة أهل العراق الأولى، والتسهيل والفتح يغلبان على قراءة أهل المدينة القديمة، وأدَّت ظاهرة الاختيار إلى انتقال الهمز إلى قراءة أهل المدينة، وظاهرة الفتح إلى قراءة أهل العراق.
(٢) ازدياد عدد القراء :
كان عدد القراء من الصحابة الذين تصدَّروا للإقراء واشتهرت قراءتهم لا يتجاوز العشرة، لكن عدد القراء أصحاب الاختيارات تضاعف في عصر التابعين وتابعي التابعين، وبلغوا العشرات، بسبب اتساع بلاد المسلمين، وازدياد الحاجة إلى التعليم، واستقر في عرفهم أن من يتصدى للإقراء له أن يختار قراءة يعلّمها من يقرأ عليه، واكتفى بعضهم برواية قراءة شيخه، وكانت النتيجة ظهور عشرات الاختيارات في القراءات، في القرون الثلاثة الأولى.
وانعكس ذلك على كتب القراءات القديمة، فكان كتاب أبي عبيد القاسم بن سلام ( ت ٢٢٤هـ) يضم خمسة وعشرين قارئاً، وكان كتاب إسماعيل القاضي ( ت ٢٨٢هـ) فيه عشرين قراءة، وجاء بعده محمد بن جرير الطبري ( ت ٣١٠هـ) وجمع في كتابه في القراءات نيفاً وعشرين قراءة (١). ولا تضم هذه الكتب جميع أصحاب الاختيارات من تلك الفترة.

(١) ينظر : ابن الجزري : النشر ١/٣٤


الصفحة التالية
Icon