وأدرك ابن مجاهد البغدادي ( ت ٣٢٤هـ) ما أدت إليه ظاهرة الاختيار من كثرة القراءات، وامتنع عن اختيار قراءة تنسب إليه، فقد نقل تلميذه أبو طاهر أبي هاشم أن رجلاً سأل ابن مجاهد :" لِمَ لا يختار الشيخ لنفسه حرفاً يحمل عنه ؟ فقال : نحن أحوج إلى أن نُعْملَ أنفسنا في حفظ ما مضى عليه أئمتنا، أحوج منا إلى اختيار حرف يقرأ به من بعدنا" (١).
(٣) اختيار القراءات السبع :
توقفت ظاهرة الاختيار بعد رفض ابن مجاهد اختيار قراءة تسمى باسمه، لكن أثر الظاهرة كان ماثلاً أمام نظر ابن مجاهد، وما يمثله من ثقل على المتعلمين للقراءات، فأقدم على دراسة الاختيارات وصنفها إلى صنفين، الاختيارات الصحيحة المشهورة، والاختيارات الشاذة المهجورة، وألف كتابين : الأول ( كتاب السبعة ) الذي ضمنه اختيارات القراء السبعة المشهورين، وهم : نافع، وابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وابن عامر. والثاني : كتاب ( شواذ السبعة) الذي ضمنه بقية الاختيارات التي لم تشتهر شهرة السبعة (٢).
ووصف ابن الجزري ابن مجاهد بأنه ( أوَّلُ مَنْ سَبَّعَ السبعة) (٣)، ولم يكن يُعرف قبل ابن مجاهد مصطلح القراء السبعة، ولا القراءات السبع، لكنه اشتهر بعد ابن مجاهد، حتى عدَّ بعضهم ما عدا السبع شاذاً (٤)، وكثرت المؤلفات في السبع، ثم أضيفت إليها ثلاث قراءات هي قراءة أبي جعفر ويعقوب وخلف، فصارت القراءات المتواترة عشراً، ولهذا الموضوع تفصيل لا تدعو هنا حاجة للاسترسال فيه.
(٤) تأصيل أركان القراءة الصحيحة :

(١) الذهبي : معرفة القراء ١/٢١٧
(٢) ينظر : ابن جني : المحتسب ١/٣٢ و ٣٥
(٣) غاية النهاية ١/١٣٩
(٤) ينظر : ابن النديم : الفهرست ص ٣٣


الصفحة التالية
Icon