احتاج علماء القراءة إلى ضوابط لتمييز القراءة المقبولة وغيرها، بعد أن كثرت الاختيارات، " فوضع الأئمة لذلك ميزاناً يُرجع إليه، وهو السند والرسم والعربية" (١).
وكان اختيار ابن مجاهد للقراءات السبع قد ترك انطباعاً بأن ما عداها شاذ، وتطور معنى الشذوذ في القراءة، فبعد أن كانت القراءة الشاذة ما خالف خط المصحف، صارت كل قراءة سوى القراءات السبع تعد شاذة، وظن بعض من لا علم له أن هذه القراءات هي المقصودة بحديث الأحرف السبعة، ومن ثم كره بعض العلماء اقتصار ابن مجاهد على هؤلاء السبعة، وقالوا : هلا زاد عليهم أو نقص منهم، حتى لا يقع الجهال في مثل ذلك الظن (٢).
ولم يمض وقت طويل على عصر ابن مجاهد حتى عادت الشروط الثلاثة هي التي تحدد صحة القراءة أو شذوذها، فقال مكي بن أبي طالب ( ت ٤٣٧هـ) :" وإنما الأصل الذي يعتمد عليه في هذا أن ما صح سنده، واستقام وجهه في العربية، ووافق خط المصحف فهو من الأحرف السبعة المنصوص عليها، ولو رواه سبعون ألفا، متفرقين أو مجتمعين" (٣).
وقال أبو شامة :" فليس الأقرب في ضبط هذا الفصل إلا ما قد ذكرناه مراراً من أن كل قراءة اشتهرت بعد صحة إسنادها وموافقتها خط المصحف، ولم تنكر من جهة العربية فهي القراءة المعتمد عليها، وما عدا ذلك فهو داخل في حيّز الشاذ والضعيف". (٤)
(٢) ينظر : ابن الجزري : النشر ١/٣٧
(٣) الإبانة ص ٥١
(٤) المرشد الوجيز ص ١٧٨