وقد حافظ المسلمون على رسم الكلمات في المصاحف على نحو ما رُسِمَت في المصاحف العثمانية، وشَكّلَ ذلك الرسم ظاهرة اعتنى بها علماء القرآن، وكُتّاب المصاحف، وعلماء اللغة، واختص بدراستها ( علم رسم المصحف ) الذي كُتِبَت فيه عشرات المؤلفات منذ بدء تدوين العلوم الإسلامية إلى عصرنا الحاضر.
ولم يحظ الرسم العثماني بتلك العناية والاهتمام لأنه أثر تاريخي يرجع إلى عصر النبوة والخلافة الراشدة فحسب، ولكنْ لأنه صار أحد أركان القراءة الصحيحة، بل " هو الركن الأعظم في إثبات القرآنية للقرآن " (١)، حتى قال الأصوليون في تعريف القرآن بأنه " كلام الله تعالى المُعْجِزُ، المُنَزَّلُ على النبي - صلى الله عليه وسلم- المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته" (٢).
وكان رسم المصحف موضع عناية العلماء منذ أن كُتِبَت المصاحف وأُرسلت إلى الأمصار، وأخذت تلك العناية الشكل العلمي المنظم منذ بدء عصر تدوين العلوم الإسلامية، فظهرت عشرات المؤلفات في وصف رسم المصاحف، وبيان علله، وأُلّفَت كُتُب أخُرى في موضوع النَّقْطِ والشَّكْلِ الذي استأثر باسم علم الضبط، ولا أجد ضرورة هنا لتتبع أسماء تلك الكتب، فقد سبق لي أن عملت قائمة بها. (٣)

(١) الشوكاني : إرشاد الفحول ١/٦٤
(٢) ينظر : الزرقاني : مناهل العرفان ١/٦٤
(٣) ينظر : كتابي : رسم المصحف ص ١٦٨- ١٨٧، و ص ٤٧٨٠ ٤٨٣، وعلم الكتابة العربية ص ٦٤- ٧١، وأحمد شرشال : مختصر التبيين لهجاء التنزيل ( قسم الدراسة) ١/١٦٤- ١٩٩، والفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط : علوم القرآن ( رسم المصحف) الذي يتضمن أسماء ما بقي مخطوطاً من كتب رسم المصحف


الصفحة التالية
Icon