إن دراسة تاريخ الكتابة العربية يُبَيِّنُ بوضوح أن الرسم العثماني يمثل مرحلة في تاريخ تلك الكتابة، وأن الصحابة – رضوان الله تعالى عليهم – كانوا قد كتبوا المصاحف بالإملاء الذي كان مستخدماً في زمانهم، ولم يكن هناك فرق بين ما كتبوه في المصاحف، وما كانوا يكتبونه في غيرها (١).
وتثبيت هذه الحقيقة، وهي أن المصاحف كُتِبَت بالإملاء الذي كان يكتب به الناس في ذلك الزمان، يجعل من مناقشة موضوع كون الرسم توقيفياً لا يقوم على أساس (٢)، فالرسم يستند إلى ما اصطلح عليه الناس في ذلك الزمان وما اعتاده الكُتَّاب في ما كانوا يكتبون في غير القرآن (٣).
يجب التفريق بين القول : إن رسم المصحف اصطلاح لا توقيف، وموضوع وجوب الالتزام به في كتابة المصاحف، فليس هناك ترابط بين القضيتين، فالقول بوجوب الالتزام بالرسم العثماني في كتابة المصحف مما اجتمع عليه العلماء في القديم وفي الحديث (٤)، أما القول بالتوقيف فقد لجأ إليه بعض العلماء بعد أن عجزوا عن إدراك علل اختلاف الرسوم (٥).
(٢) ينظر : الزرقاني : مناهل العرفان ١/٣٧٠
(٣) ينظر : محمد طاهر الكردي : تاريخ القرآن ص ٩٨
(٤) ينظر : الداني : المقنع ص ٩-١٠، والزركشي : البرهان ١/٣٧٩، والسيوطي : الإتقان ٤/١٤٦، ورسم المصحف ص ١٩٩
(٥) ينظر : رسم المصحف ص ٢٠٢