وللعلماء مذاهب في تعليل اختلاف الرسوم، سبق لي عرضها في كتاب رسم المصحف. وبعض تلك المذاهب لا يستند إلى أسس متينة، ويحسن بالدارس تجاوزه، ومنها حمل الظواهر على خطأ الكاتب، أو تعليل اختلاف الرسوم بحسب اختلاف أحوال معاني كلماتها، تلك النظرية التي اشتهر بوضعها أبو العباس أحمد بن محمد الشهير بابن البناء المراكشي ( ت ٧٢١هـ) وضمَّنها في كتابه ( عنوان الدليل من مرسوم خط التنزيل ) (١)، ومن تلك المذاهب القول بأن الرسم بُنَيَ على حكمة ذهبت بذهاب كتبته (٢).
ويظل الاستناد إلى العلل اللغوية أكثر ملائمة لتعليل اختلاف الرسوم من المذاهب الأخرى، وهو ما قامت عليه دراستي السابقة للرسم، وقد وجدت عدة عوامل أثرت أكثر من غيرها في تعدد الرسوم، ومن المفيد الإشارة إليها هنا تعزيزاً لما كتبته سابقاً حول الموضوع، ومنها :
١. ثبات الرسوم وتغير النطق :
تتعرض اللغات للتغير والتطور بشكل مستمر، ويصيب التطور أصوات اللغة كما يصيب دلالة الألفاظ على المعاني، وتختلف اللغات في ذلك، بحسب العوامل التي تحيط باللغات والناطقين بها، ويمكن القول إن اللغة العربية كانت تستجيب لعوامل التطور قبل الإسلام أكثر من استجابتها لذلك بعد نزول القرآن الكريم الذي صار مثالاً لغوياً يتطلع الناطقون بها إليه، ويحرصون على الارتقاء بأدائهم اللغوي نحوه (٣).
(٢) ينظر : رسم المصحف ص ٢٠٣- ٢٣٣
(٣) ينظر : بحث : مستقبل اللغة العربية في ضوء قوانين التطور اللغوي.