وتأخذ صور الكلمات المكتوبة شكلاً أكثر ثباتاً في أذهان الناس، فقد يتغير نطق الكلمة لكن صورتها المكتوبة تظل كما هي، لأن الكاتب يرسم الصورة المنطبعة في ذهنه للكلمة ولا يترجم نطقها إلى رموز مكتوبة، في كثير من الأحيان، فنحن نكتب مثلاً ( أولئك) و ( هذه) بهذا الشكل من غير أن نفكر في مخالفة هذا الرسم لنطق الكلمتين، والسبب في ذلك أننا نرسم الكلمتين بما انطبع في أذهاننا لصورتهما منذ فترة تعلمنا الأولى للكتابة. ومن ثم فإن " السبب الأساسي لأزمات الرسم ينحصر في استحالة مسايرة الرسم لحركة اللغة" (١).
وهذه الظاهرة تحتم على الدارس لظواهر رسم المصحف أن يكون على بَيِّنَة من أن بعض ما يجده من الظواهر المخالفة للنطق يمثل حالات نطقية منقرضة، تَغَيَّرَ فيها النطق وبَقِيَ الرسم، ومن هنا يُشَبّهُ الرسم بالمتحف لظواهر اللغة، يقول الدكتور علي عبد الواحد وافي – رحمه الله تعالى - :" إن جمود الرسم على حالته القديمة يفيد الباحث في اللغات أكبر فائدة، فهو يعرض له صورة صحيحة لأصول الكلمات، ويَقِفُهُ على ما كانت عليه أصواتها في أقدم عصور اللغة، فالرسم للألفاظ أشبه شيء من هذه الناحية بالمتحف للآثار " (٢).

(١) فندريس : اللغة ص ٤٠٨
(٢) علم اللغة : ص ٢٧٨


الصفحة التالية
Icon