ويمكن تفسير ظاهرتين من ظواهر الرسم العربي في الأقل بالاستناد إلى هذه الحقيقة، واحدة في رسم المصحف، والثانية في غيره. ففي رسم المصحف تكتب :( الصلاة والزكاة والحياة ومناة ومشكاة ) بالواو بدل الألف (١)، وعَلَّلَ كثير من علماء العربية والرسم هذه الظاهرة بمجيء الرسم على لفظ التفخيم للألف في نطق بعض العرب (٢)، لكن تفسير هذا الرسم بالاستناد إلى ظاهرة احتفاظ الكتابة بصور نطقية قديمة يبدو أكثر قبولاً، فقد جاءت كلمة ( مناة ) مكتوبة في أكثر من نقش من النقوش النبطية، التي يُرَجَّحُ أن الكتابة العربية انحدرت عنها، مكتوبة بالواو هكذا ( م ن و ت و )، وورثت الكتابة العربية ذلك عنها (٣). وهكذا يمكن تفسير رسم الألف واواً في الأمثلة الأخرى، بعد أن يتعزز هذا التفسير بشواهد كتابية أُخرى.
ويمكن تفسير زيادة الواو في رسم كلمة ( عَمْرو) بالاستناد إلى نفس الظاهرة، ويبدو تعليل زيادة الواو للفرق بينه وبين ( عمر) مجرد ظن، فقد لاحظ الدارسون للنقوش النبطية وجود واو في آخر أسماء الأعلام ومن بينها ( عَمْرو)، ويترجح بناء على ذلك أن الواو في رسم هذا الاسم انحدرت إلى كتابتنا من الكتابة النبطية (٤).
وعلى الرغم من قلة الأمثلة التي عرضتها للتدليل على أثر خاصية ثبات الرسم وتغير النطق على اختلاف الرسوم فإنني أحسب أن كثيراً من الظواهر في رسم المصحف يمكن أن تجد تفسيرها من خلال هذه الخاصية، لكن ذلك يتوقف على تقدم الدراسة في مجال النقوش والكتابات العربية القديمة، وكشف المؤثرات التي أثرت على الكتابة العربية في الحقبة التي سبقت تدوين القرآن.

(١) ينظر : الداني : المقنع ص ٥٤، وابن وثيق الجامع ص ٥٧
(٢) ينظر : رسم المصحف ص ٣٣٠
(٣) ينظر : خليل يحيى نامي : أصل الخط العربي ص ٣٧ و ص ٦٧، ورسم المصحف ص ٣٣٥
(٤) ينظر : جواد علي : تاريخ العرب قبل الإسلام ٣/٢٩٩، وعلم الكتابة العربية ص ١٢٤- ١٢٥


الصفحة التالية
Icon