وقد انعكس عدم الالتزام بقاعدة موحدة في هذه القضية على رسم الكلمات في المصاحف، فتعددت صور رسم الكلمات بسبب ذلك، وكان علماء الرسم قد أدركوا ذلك وعللوا به بعض الظواهر، فقال أبو عمرو الداني مُعَلِّلاً رسم قوله تعالى:( فَلَمّا ترءَا الجمعان ) [الشعراء ٦١] بألف واحدة في كلمة (تراءى) بعدة وجوه، منها :" الثاني : سقوطها من اللفظ في حال الوصل لسكونها وسكون أول ما توصل به، وهو اللام من ( الجمعان)، فكما لزمها السقوط من اللفظ في حال الوصل، كذلك أسقطت من الرسم، وذلك من حيث عاملوا في كثير من الكتابة اللفظ والوصل دون الأصل والقطع، ألا ترى أنهم حذفوا الألف والياء والواو في نحو قوله :( أيُّهَ المؤمنون ) [النور ٣١ ] و ( سوف يُؤتِ الله ) [النساء ١٤٦] و ( يَدْعُ الإنسان ) [الإسراء ١١] وشبهه، لمّا سَقَطْنَ من اللفظ لسكونهن وسكون ما بعدهن، وبنوا الخط على ذلك فأسقطوهن، فكما عُومِلَ اللفظ في هذه الحروف وبُنيَ الخط عليه فيهن، كذلك عُومِلَ أيضاً فيما تقّدم وبُنِيَ عليه " (١).
وكذلك علّل الداني رسم النون الخفيفة ألفاً ورسم التنوين نوناً، وذلك في قوله :" واجتمع أيضاً كُتّاب المصاحف على رسم النون الخفيفة ألفاً، وجملة ذلك موضعان : في يوسف :( وليَكوناً من الصاغرين ) [ ٣٢ ]، وفي العلق :( لنسفعاً بالناصية ) [١٥] وذلك على مراد الوقف... وكذلك رسموا التنوين نوناً في قوله :( وكَأيّنْ) حيث وقع، وذلك على مراد الوصل، والمذهبان قد يستعملان في الرسم دلالة على جوازهما فيه" (٢).
(٢) المقنع ص ٤٣- ٤٤