ويمكن من خلال هذا الأصل تفسير كثير من ظواهر الرسم، خاصة باب رسم تاء التأنيث تاء حيناً، وهاء حيناً آخر، في مثل :" نعمت الله، ورحمت الله، وسُنّت الله ". وباب الهمز في مثل :" العلمؤا، والبلؤا، أو من وَرَائِ حجاب، ونَبَؤُا الخصم، ومِن نَبَأي المرسلين "، وباب الوصل والقطع في مثل :" أنْ لا و ألا " و " عن ما و عَمّا " و " فإن لم و فإلّم "، ونحو ذلك.
ومن الأمثلة الواضحة على ذلك رسم ( يا ابن أُمَّ ) في المصحف، ففي سورة الأعراف جاءت مفصولة :( قال ابنَ أُمَّ) [ ١٥٠] بناء على قاعدة رسم الكلمةمبدوءاً بها وموقوفاً عليها، وفي سورة طه جاءت موصولة (( يَبْنَؤُمَّ)) [ ٩٤] بناء على اللفظ والوصل (١)، فحُذِفَت ألف (يا) وهمزة الوصل، ورسمت الهمزة واواً، على اللفظ بها موصولة.
إن تعدد صورة رسم الكلمة الواحدة في الرسم العثماني، واختلاف صور كثير من الكلمات عن النطق، ما هو إلا تعبير عن طبيعة التقاليد الكتابية في عصر نزول القرآن، فكانت الكتابة أقرب إلى الذاتية منها إلى الموضوعية والتقعيد، فالكاتب بإمكانه أن يضفي على طريقته في الكتابة كثيراً من مظاهر الاجتهاد الشخصي للتعبير عن صورة النطق، لعدم وجود قواعد مدّونة يُرجع إليها، فالكاتب بعد تدوين القواعد الإملائية يكتب كما يكتبُ الآخرون، وقبل ذلك كان يكتب في كثير من الأحيان كما يمليه عليه اجتهاده، لعدم وجود قواعد مدونة، وعدم وجود مثال يحتذي به في أحيان كثيرة، فكان يحرص على تمثيل اللفظ، كما يحرص على الحفاظ على صور الكلمات الكتابية الموروثة.

(١) المقنع ص ٧٦


الصفحة التالية
Icon