وقد أدرك علماء الرسم أن بعض الرسوم لا تمثل نطقاً أو وجهاً من وجوه القراءة، من الصور الكتابية التي أشرت إليها، مما كان يمثل نطقاً في عهود سابقة، وتَغَيَّرَ ذلك النطق إلى صورة أخرى، وبقي الرسم كما هو، ويلخص ذلك قول ابن المنادي ( أحمد بن جعفر ت ٣٣٦هـ):"إن من المكتوب ما لا تجوز به القراءة من وجه الإعراب، وإن حكمه أن يترك على ما خُطَّ، ويطلق للقارئين أن يقرؤوا بغير الذي يرونه مرسوماً" (١).
وقال أبو شامة المقدسي :" ولعل مرادهم بموافقة خط المصحف ما يرجع إلى زيادة الكلم ونقصانها، فإن في ما يروى من ذلك عن أبي بن كعب وابن مسعود - رضي الله عنهما – من هذا النوع شيئاً كثيراً، فكتبت المصاحف على اللفظ الذي استقر عليه في العرضة الأخيرة على رسول الله - ﷺ - على ما سبق تفسيره. وأما ما يرجع إلى الهجاء وتصوير الحروف فلا اعتبار بذلك في الرسم، فإنه مظنة الاختلاف، وأكثره اصطلاح، وقد خولف الرسم بالإجماع في مواضع من ذلك، كالصلوة والزكوة والحيوة، فهي مرسومات بالواو ولم يقرأ أحد على لفظ الواو " (٢)
وقال الزركشي :" اتفقت في خط المصاحف أشياء خارجة عن القياسات التي يبنى عليها علم الخط والهجاء، ثم ما عاد ذلك بنكير ولا نقصان، لاستقامة اللفظ وبقاء الخط، وكان اتباع المصحف سُنَّة لا تخالف" (٣).
وقد أتاحت طبيعة رسم المصحف موافقة أكثر من قراءة له، فالمصحف مكتوب على قراءة واحدة، لكن خطه يسمح بأكثر من قراءة، وذلك بسبب :
أ - تجرده من علامات الحركات ونقاط الإعجام.
ب – عدم رسم بعض الحروف أحياناً، مثل المشدد، وحروف المد واللين.
ج – رسم بعض الكلمات بأكثر من صورة.

(١) نقلآً عن الداني : المحكم ص ١٨٥
(٢) المرشد الوجيز ص ١٧٢- ١٧٣
(٣) البرهان ١/١٧٢


الصفحة التالية
Icon