ولا يكفي وجود الهمز في القراءة دليلاً على أن القرآن نزل بلغة غير قريش من العرب، فهناك ما يشير إلى أن تسهيل الهمز كان سمة بارزة لقراءة أهل الحجاز، وأن المصاحف كتبت بتسهيل الهمزة، ويؤكد ذلك ما رواه ابن مجاهد عن عيسى بن مينا قالون ( ت ٢٢٠هـ) تلميذ نافع وراوي قراءته، أنه قال :" كان أهل المدينة لا يهمزون حتى همز ابن جندب، فهمزوا : مستهزئون، واستهزئ "[السبعة ص٦٠]. وابن جندب هو مسلم بن جندب شيخ نافع. وما رواه ابن الأنباري عن خلف بن هشام البغدادي ( ت ٢٢٩هـ) أنه قال :" وقريش لا تهمز، ليس الهمز من لغتها، وإنما همزت القراء بلغة غير قريش من العرب" (١).
وقال أبو عمرو الداني :" والهمزة قد تصور على المذهبين من التحقيق والتسهيل، دلالة على فشوهما واستعمالهما فيها، إلا أن أكثر الرسم ورد على التخفيف، والسبب في ذلك كونه لغة الذين وَلُوا نسخ المصاحف زمن عثمان، رحمه الله، وهم قريش... فلذلك ورد أكثر الهمز على التسهيل، إذ هو المستقر في طباعهم والجاري على ألسنتهم" (٢).
فقضية وجود الهمز في معظم القراءات القرآنية لا تكفي في رد الروايات الصحيحة المنقولة عن الصحابة والتابعين والقائلة بنزول القرآن بلغة قريش، ويمكن تفسير شيوع الهمز في القراءات من خلال ظاهرة الاختيار في القراءة، التي سنتعرض لها في الفقرة الأخيرة من هذا البحث.

(١) إيضاح الوقف ١/٣٩٢
(٢) المحكم ص ١٥١


الصفحة التالية
Icon