وتكاد آراء الباحثين تتفق على أن أول مَن ابتكر طريقة لتمثيل الحركات في الكتابة العربية هو أبو الأسود الدؤلي ( ظالم بن عمرو ت ٦٩هـ)، الذي اخترع نظام النِّقاط الحُمْر للدلالة على الحركات، فالفتحة نقطة فوق الحرف، والكسرة نقطة تحت الحرف، والضمة نقطة أمام الحرف، وإذا كان مع الحركة تنوين جعل النقطة نقطتين، وأول ما استخدم ذلك في ضبط كلمات المصحف، إذ تربط الروايات القديمة ذلك العمل بظهور اللحن ووقوع الخطأ في تلاوة القرآن، فابتكر أبو الأسود الدؤلي هذه الطريقة لضبط الكتابة، وتيسير القراءة (١).
وأخذ تلامذة أبي الأسود الدؤلي في البصرة طريقته في نقط المصحف، واستخدموها على نطاق واسع، لكنهم واجهوا مشكلة تشابه صور عدد من الحروف في الكتابة العربية، وتصدى نصر بن عاصم الليثي ( ت ٩٠هـ) تلميذ أبي الأسود في زمن الحجاج بن يوسف الثقفي لحل هذه المشكلة، وذلك باستخدام النِّقاط لتمييز الحروف المتشابهة في الرسم، بنفس لون الكتابة (٢).
وتحقق للكتابة العربية قبل انتهاء القرن الهجري الأول نظام كامل من العلامات الدالة على الحركات، والنِّقاط المميزة للحروف المتشابهة، لكن الكُتّاب وجدوا صعوبة في استخدام نظامين من النِّقاط بلونين من الحبر، فتصدى الخليل بن أحمد الفراهيدي ( ت ١٧٠هـ) لحل هذه الصعوبة، وذلك بابتكار طريقة جديدة للحركات باستخدام الحروف الصغيرة المأخوذة من حروف المد، وهي الضمة والفتحة والكسرة التي لا تزال مستخدمة إلى زماننا، وأبقى نظام النِّقاط المميزة للحروف المتشابهة على ما كان عليه، واخترع إلى جانب ذلك علامات للهمزة والتشديد والروم والإشمام. (٣)

(١) ينظر : ابن الأنباري : إيضاح الوقف ١/٣٩- ٤١، والداني : المحكم ص ٦- ٧
(٢) ينظر : العسكري : شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف ص ١٣
(٣) ينظر : الداني : المحكم ص ٦-٧، والتنسي : الطراز ص ١٤


الصفحة التالية
Icon