٣. لقيت طريقة أبي الأسود في النَّقْط معارضة من علماء التابعين في بدء استعمالها، ودعوا إلى تجريد المصحف وعدم خلط شيء به مما لم يكن فيه وقت نسخ المصاحف، لكن الحاجة إلى ضبط القراءة وتيسير تعلمها جعلت علماء التابعين وتابعيهم يقولون : لا بأس بنقط المصاحف (١). ولم تستخدم طريقة الخليل في المصاحف إلا بعد عدة قرون، فنجد الداني ( ت ٤٤٤هـ) يقول :" وتَرْكُ استعمال شكل الشعر، وهو الشكل الذي في الكتب الذي اخترعه الخليل، في المصاحف الجامعة من الأمهات وغيرها، أولى وأحق اقتداء بمن ابتدأ النقط من التابعين، واتباعاً للأئمة السالفين (٢). لكن تلك النزعة لم تدم طويلاً، فنجد ابن وثيق ( ت ٦٥٤هـ) لا يتحدث إلا عن علامات الخليل (٣). وانقرضت طريقة أبي الأسود من الاستخدام، ولم يبق لها أثر إلا في المصاحف التي ضُبِطت بها، والكتب التي تتحدث عنها وتبيّن كيفية استخدامها.
٤. استمر اهتمام العلماء بموضوع العلامات الكتابية بعد الخليل بن أحمد، وتنوعت مذاهبهم فيه، وجمعوا مباحثه في كتب مستقلة (٤)، وغلب استخدام مصطلح ( علم النَّقْط والشكل ) على المؤلفات الأولى، لكن المتأخرين أطلقوا عليه مصطلح ( علم الضبط )، وكان أشهر كتاب في هذا العلم هو كتاب الداني عنوانه :( المحكم في علم نقط المصاحف )، لكن تلميذه أبا داود سليمان بن نجاح ( ت ٤٩٦هـ) سَمّى مؤلَّفه ( كتاب أُصول الضبط )، وقال التنسي ( ت ٨٩٩هـ) في كتابه ( الطراز في شرح ضبط الخرّاز ) : اعلم أنَّ خطوط المصاحف يُتكلَّمٌ عليها بوجهين :
أحدهما : ما يرجع إلى بيان الزائد والناقص، والمبدل وغيره، والموصول وغيره، وهو المسمى بـ ( علم الرسم ).

(١) ينظر : أبو عبيد : فضائل القرآن ص ٣٩٢، وابن أبي داود : كتاب المصاحف ص ١٤١- ١٤٢
(٢) المحكم ص ٢٢
(٣) الجامع ص ١٥٧
(٤) ينظر : أسماء تلك الكتب : رسم المصحف ص ٤٧٨- ٤٨٣، وعلم الكتابة العربية ص ٦٥٠-٧٠


الصفحة التالية
Icon