ولا يتسع المقام لعرض مذاهب علماء الضبط في استخدام تلك العلامات (١)، لكن يمكن ملاحظة وجود قدر من الحرية في اختراع علامات جديدة وتغيير علامات قديمة، وهو ما لا يمكن حدوثه في رسم المصحف، فالرسوم ثابتة، والعلامات فيها متسع للإضافة والتغيير، ومن ثم يمكن القول إن اختراع علامة جديدة لتمثيل صورة نطقية في قراءة القرآن أمر ممكن، ولكن ذلك يجب أن يكون في أضيق الحدود، حتى لا يتعرض ضبط المصحف لتغيير كبير، وألاّ يأخذ ذلك الطابع الشخصي أو الفردي، وإنما يجب أن يكون ذلك في إطار المؤسسات العلمية والمجامع واللجان المتخصصة.
وينبغي التفريق في هذا الصدد بين القول بإمكانية إضافة علامة جديدة تدعو الحاجة إليها، والدعوة إلى تغيير نظام العلامات الكتابية، أو تغيير النظام الكتابي العربي كله، فهذه الدعوة نشطت في النصف الأول من القرن الميلادي الماضي على يد بعض المستشرقين، وأخذها عنهم بعض تلامذتهم المخلصين، وهي جاءت في إطار حملة منظمة لاقتلاع العربية من جذورها، لكن العربية لغة وكتابة خرجت من تلك الحملة أكثر تمكيناً بعد أن زالت الشبهات التي أطلقها أصحاب تلك الدعوة، وظهر زيف الحجج التي استندوا إليها (٢).
(٤) المصاحف القديمة وأهمية دراستها :
إنّ جميع المصاحف المخطوطة والمطبوعة في العالم، القديمة والحديثة، متفقة في الرسم والترتيب، ولا يقِّدم أيٌّ منها أي إضافة إلى نص القرآن الكريم، لكن لكل نسخة من المصحف قيمة معنوية، وأهمية تاريخية وعلمية، لاسيما المخطوطة منها، ومن ثم تستحق أيُّ نسخة مخطوطة منها دراسة خاصة بها، وتنبع أهمية تلك الدراسة من عدة نواح منها :
(٢) ينظر : علم الكتابة العربية ص ٢٠٩- ٢٣٩