وبرع في الفنون، وتَخَرَّج به خلقٌ في أنواع العلوم، وأقرَّ له الفضلاء، وولي قضاء الشام بعد الجلال القزويني، فباشره بعفة ونزاهة، غير ملتفت إلى الأكابر والملوك، وولي مشيخة عدة مدارس، وكان محققًا، مدققًا، نظَّارًا، له في الفقه وغيره الاستنباطات الجليلة، والدقائق، والقواعد المحرَّرة، التي لم يُسبق إليها،
وكان مُنصفًا في البحث، على قَدَمٍ من الصلاح، والعفاف، وصنف نحو مائة وخمسين كتابًا، مُطولاً، ومختصرًا، وأنجب أولادًا أعلامًا.
وتُوفي بمصر، بعد أن قدم إليها من الشام، وسأل أن يُولَّى القضاء مكانه ابنُه تاج الدين، فأُجيب إلى ذلك. وكانت وفاته سنة ست وخمسين وسبعمائة، رحمه الله تعالى، وغفر له.
وقد كان بينه وبين شيخ الإسلام ابن تيمية، ثم تلاميذه من بعده مُناظرات، وردود لا تخفى على طلبة العلم إن شاء الله. وكان منها ما هو بسبب الاعتقاد، ومنها ما يتعلق ببعض الفِقهيات. لكنه كان شديد التوقير لشيخ الإسلام، لغزارة علمه، وشدة زهده.
ولمعرفة المزيد عن المصنف، انظر: ((طبقات الشافعية الكبرى)) لابنه (تاج الدين)(١٠/١٣٩ _ ٣٣٩)، و((طبقات الشافعية))( لابن قاضي شُهبة)(٣/٣٧ _ ٤٢)، و((الدُّرر الكامنة))(٣/٦٣ _ ٧١)، و((شذرات الذهب))(٦/١٨٠، ١٨١)، و((الصارم المُنْكِي))(لابن عبد الهادي)، رحمهم الله جميعا.
والرسالة التي بين أيدينا ذكرها ابنه (تاج الدين) في ((الطبقات)) (١٠/٣١١)، و(حاجي خليفة) في ((كشف الظنون))(٢/١٣٦٤) باسم " القول المحمود في تنزيه داود عليه السلام " كما هو مُثبت على الغُلاف، لكن في النسخة التي اعتمدتُ عليها في نشر الكتاب _ وهي النسخة المطبوعة بالمطبعة الدُّخَانية بمُلتان بالهند سنة ١٣٤٠ هـ " القول المحمود في تبرئة داود عليه السلام ".