وإما اشتغاله بالعبادة عن الحكم، كما أشعر به قوله :﴿ الْمِحْرَابَ ﴾[ص : ٢١]. ( (١) ) ذلك أنه صَحَّ عن نبينا ﷺ أن داود أعبد البشر( (٢)

(١) - قال ابن عطية في المُحَرَّر الوجيز (٤/٤٩٨) : المحراب : الموضع الأرفع من القصر، أو المسجد، وهو موضع التَّعَبُّد. وقال الرَّاغب الأصفهاني في مفردات ألفاظ القرآن (مادة : حرب) : محراب المسجد، قيل : سُمِّي بذلك، لأنه موضع محاربة الشيطان والهوى، وقيل : سُمِّي بذلك، لكون حق الإنسان فيه أن يكون حريبًا - أي سليبًا – من أشغال الدنيا، ومن تَوَزُّع الخاطر. وقيل : الأصل فيه أن محراب البيت صدر المجلس، ثم اتُّخِذت المساجد فسُمِّي صَدْرُه بهن. وقيل : بل المحراب أصله في المسجد، وهو اسم خُصَّ به صدرُ المجلس، فسُمِّي صدرُ البيت يَعْمَلُونَ لَهُ مَا(محرابًا تشبيهًا بمحراب المسجد، وكأن هذا أصح. قال عز وجل :[سبأ: ١٣]. وقال الشِّهاب الخَفَاجِي (كما في(يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ روح المعاني ٢٣/١٧٨): المحراب : الغرفة، وهي العَلِيَّة، ومحراب المسجد مأخوذٌ = منه، لانفصاله عمَّا عَدَاه، أو لشَرَفِه، المُنَزَّل مَنْزِلة عُلوه. وانظر : الزمخشري (٤/٨٢)، والنهاية لابن الأثير، وكذا لسان العرب لابن منظور، والقاموس المحيط (مادة : حرب)، والتحرير والتنوير (٢٢/١٦٠، ١٦١ )، وفيه بحثٌ جيِّد عن مَبدأ حُدوثه. وقد صَنَّف الجَلال السُّيوطي رسالة بعُنوان "إرشاد الأَريب إلى حُدُوث بِدعة المحاريب" صرَّح فيها أن المحاريب التي في المساجد بهيئتها المعروفة اليوم، لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
(٢) - ثبت في صحيح مسلم (١١٥٩/١٨٢) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال عن داود عليه السلام :"كان أَعْبَد النَّاس" و في الحديث قصة. وعزاه في الكنز (٨٤١٧) لأبي يعلى في مسنده من حديثه أيضا باللفظ المذكور في المتن، و فيه القصة التي في صحيح مسلم. وليس في المطبوع من مسند أبي يعلى مسند عبد الله بن عمرو. وكذا لم أقف عليه إلى الآن في مجمع الزوائد. وأخرجه الترمذي (٣٦٢٤)، والحاكم (٢/٤٧)، وغيرهما من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعًا باللفظ المذكور أعلاه. قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب. وقال الحاكم : صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وردَّه الذهبيُّ في تلخيص المستدرك بأن فيه عبد الله بن يزيد الدمشقي، قال : قال أحمد : أحاديثه موضوعة. والذي في تهذيب الكمال (١٤/٤٨٩ – ٤٩١)، وتهذيب التهذيب (٥/١٨٢) أن البخاري فرَّق بين عبد الله بن يزيد بن ربيعة، وقيل : عبد الله بن ربيعة بن يزيد الدمشقي، الذي يروي عن أبي إدريس الخولاني، ويروي عنه محمد بن سعد الأنصاري، وبين عبد الله بن يزيد الدمشقي، الذي يروي عن عطية بن قيس، ويروي عنه عبد الله بن = عقيل، و جمع ابن عساكر بينهما. وصَوَّب المِزِّيُ قولَ البخاري. أما الذهبي، فإنه قال في الميزان (٢/٥٢٦) في ترجمة عبد الله بن يزيد الدمشقي الأخير : أَحْسَبُه الآتي، يعني عبد الله بن يزيد بن آدم الدمشقي. وهذا الأخير هو الذي قال فيه الإمام أحمد ذلك القول المذكور في تلخيص المستدرك. فقوله في التلخيص مَبْنِي على قوله هنا. وقد قال الحافظ في التقريب (١ /٤١٤) في ترجمة الأول : مجهول، وفي ترجمة الثاني (١/٤٦٢) : ضعيف. ثم ذكر أنه قيل : هما واحد. أما عبد الله بن يزيد بن آدم، فليست له رواية – و لله الحمد - في الكتب الستة. وقد حَسَّن الشيخُ الألبانيُ حديثَ أبي الدرداء في صحيح الجامع (٤٤٥٣)، وله رحمه الله تعالى بحثٌ في السلسلة الصحيحة (٧٠٧) حول الحديث. وقد حَمَل بعضُ أهل العلم وصفَ النبي ﷺ لداود عليه السلام بأنه أعبد البشر على أن المقصود بهذا في زمانه عليه السلام، لا على الإطلاق. وعلى كل حالٍ، فإنه لا يلزم من الأَعْبَدية الأفْضَلية.


الصفحة التالية
Icon