). فكان داود ذلك اليوم انقطع في المحراب للعبادة الخاصة بينه وبين الله، فجاءت الخصوم، ولم يجدوا له طريقًا، فتَسَوَّرُوا إليه (١) )، وليسوا بملائكة، ولا ضُرِبَ بهم مَثَلٌ، إنما هم قومٌ تخاصموا في النِّعاج على ظاهر الآية ( (٢) ). فلما وصلوا إليه، حكم بينهم. ثم في شدة خوفه، وكثرة عبادته، خاف أن يكون الله تعالى قد امتحنه بذلك، إما لاشتغاله بالعبادة عن الحكم ذلك اليوم

(١) - التَّسَوُّر : تَفَعُّلٌ مُشْتَقٌ من السُّور، وهو الجدار المحيط بمكانٍ، أو بلد. يقال : تَسَوَّر : إذا اعتلى على السُّور. ونظيرُه قولهم : تَسَنَّم جَمَلَه، إذا علا سِِنامَه. وقريبٌ منه في الاشتقاق قولهم : صَاهَى : إذا ركب صَهْوَة فرسه. والمعنى أن بيت عبادة داود - محرابه – كان محوطًا بسُور لئلا يدخله أحدٌ إلا بإذن من حارس السُّور. كذا في التحرير والتنوير (٢٣/٢٣٢). وانظر للمزيد : المحرر الوجيز (٤/٤٩٨)، والكشاف (٤/٨٢)، ومفردات ألفاظ القرآن، والنهاية في غريب الحديث، واللسان، والقاموس (مادة : سور)، وروح المعاني (٢٣/١٧٨).
(٢) - عبارة الجَصَّاص في أحكام القرآن له (٣/٤٩٩) تفيد أنه يقطع بكونهم من الملائكة. وقد قطع بهذا غيرُ واحد، منهم : أبو بكر ابن العربي المالكي في أحكام القرآن له، واسْتَحْسَن هذا القولَ الثعلبيُ. قال القرطبي (١٥/١١٢) : وعلى هذا أكثر أهل التأويل. انتهى. بل ادَّعى أبو جعفر النحاس في معاني القرآن (٦/٩٤)، وابن عطية في المحرر الوجيز (٤/٤٩٨) أنه لا خلاف بين أهل التأويل في كونهم ملائكة. وقد ذهب غير واحد إلى كونهم من الإنس، منهم : أبو محمد ابن حزم في الفصل (٤/١٤)، وأنكر على القائلين بكونهم من الملائكة إنكارًا شديدًا، والنقاش (كما في القرطبي ١٥/١٠٩)، والفخر الرازي (٢٦/١٩٤، ١٩٥)، وناقش أدلة الفريقين مفصلاً، وأبو حيان في البحر (٩/١٥١).


الصفحة التالية
Icon