أقول، وبالله التوفيق: قد نبَّه (القاسمي) في ((محاسن التأويل)) (١٤/٥٠٨٩) أن الآثار الواردة في هذا الباب عن الصحابة والتابعين إنما تَلَقَّوها عن أهل الكتاب. وما نبَّه عليه واضحٌ جدًا، إذ لم يثبت عن النبي ﷺ في هذه القصة شيء، كما ذكره غير واحد من أهل العلم بالأسانيد. ومنهم: القاضي (عياض) في ((الشفا))(٢/١٤٤)، ونقله عن غير واحد، والحافظ (ابن كثير) في ((تفسيره))(٤/٣١). كما مر معنا كلام (الطَّاهر ابن عاشور) أن القصة موجودةٌ في السِّفر الثاني من كتاب صَمْويل من كتب اليهود، وما ذهب إليه (القاسمي)، من تَلَقِّيهم تلك الآثار عن بني اسرائيل، مَبْني على ثبوت هذه الآثار عن الصحابة والتابعين، وفي هذا نَظَر. وقد نقل القاضي (عياض) في ((الشفا))(٢ /١٤٤، ١٤٥) عن أحمد بن نصر، وأبي تَمَّام وغيرهما من المحققين نَفْيُ إضافة الأخبار الواردة في ذلك إلى داود عليه السلام، ونقل عن (الداودي) أن قصة داود وأوريا ليس فيها خبرٌ يَثْبُت. وأما وَصْفُ (النحاس) لما ورد عن ابن مسعود وسعيد بن جبير بأنه أصح ما ورد في ذلك، فلا يلزم منه صحة إسنادهما، كما لا يخفى على من له إطلاع على كلام أهل الحديث، إذ يُكثرون من قولهم : أصحُّ ما ورد في هذا كذا، أو أصحُّ ما في الباب كذا، أو هذه الرواية أصحُّ من تلك، فقد يكون هذا من قبيل المفاضلة بين صحيحين، أحدهما أصحُّ من الآخر، وقد يكون من باب ذِكر ما هو أصحُّهما و أقواهما، وإن كان كلاهما ضعيفين، هناك صور أخرى لهذه العبارة، انظرها في :((شرح لغة المحدِّث)) (لأبي معاذ طارق بن عِوض الله)(١٢٥_١٣٢).