وقد حكى (الزمخشري)، و(النسفي)، وغيرهما أن أوريا لم يكن متزوجًا بها، بل كان قد خطبها فقط، فكان ذنب داود عليه السلام، أنه خطب على خِطبة أخيه وهذا ما رجَّحه (أبو بكر الجَصَّاص) في ((أحكام القرآن))(٣/ ٤٩٩)، وقطع به، ونقل(القرطبي) في ((تفسيره))(١٥/ ١١٦) عن (إلْكِيَا الهرَّاس الطبري) في ((أحكام القرآن)) له أن هذا هو قول المحققين الذين يرون تنزيه الأنبياء عن الكبائر.
وقوم من المفسرين رأوا أن داود عليه السلام فزع من قوم دخلوا عليه، مع كون سور المحراب يَعْسُر ارتقاؤه، والحُرَّاس يُحيطون به، فظن داود أنهم جاؤوا لقتله، فلما برز منهم اثنان للخصومة، علم أن ظنه لم يكن صوابًا، فاستغفر الله من هذا الظن. حكاه (الفخر الرازي)٢٦/١٩٣)، ومال إليه (أبوحيَّان) في ((البحر المحيط))(٩/١٥١).
ومنهم من قال : بل دخلا عليه ليقتلاه، فوجدا عنده أقوامًا يمنعونه منهما، فاختلقا خصومة لا أصل لها، وعلم داود بما عزما عليه، فأراد أن يُوقِع بهما، ثم عفا عنهما، واستغفر. حكاه (الفخر الرازي)(٢٦/١٩٣) و(النَّيْسَابُوري) في ((غرائب القرآن)) ((بهامش الطبري))(٢٣/٩٢، ٩٣) وقوَّاه الأخير، غير أنه زاد أنه لما عفا عنهما، دخل قلبَه شيءٌ من العُجْب، فاستغفر الله من تلك الحالة، وأقرَّ بأن إقدامه عليها كان بتوفيق الله تعالى له، ورأى (النيسابوري) أن هذا القول لا يدل على صدور ذنب عن نبي الله عليه السلام، وختم كلامه (٢٣/٩٦) بقوله : لا يخفى أن الأحوط السكوت عما لا يرجع إلى طائل، بل يحتمل أن يعود إلى قائله لومٌ عاجل، وعقابٌ آجل.
واحْتَمَل (الفخر الرازي) في الموضع السابق أن يكون داود عليه السلام إنما استغفر لمن دخل عليه يريد قتله، وقد تَعَقَّب هذا من حيث اللغة والسِّياق غيرُ واحد.