وحكى (النحاس) ( كما في (القرطبي)(١٥/ ١١٥)، و(القُشَيري)، والماوَرْدِي أن ذنب داود عليه السلام كان هو التَّعجُّل في إصدار الحكم، بمجرد سماع دعوى أحد الخصمين، وهذا ما رَجَّحه (الفخر الرازي)(٢٦/١٩٣، ١٩٤)، وذكر له أربعة وجوه تعضده. وقد استبعد (ابن العربي) المالكي هذا الرأي، ولم يَسْتَسِغْ أن يقع لنبي مثل هذا، ثم حكى ما ذكره بعضهم أن نبي الله لم يحكم لأحدهم حتى اعترف الآخر وأقر. وحكاه (الماوردي)، و(القشيري) أيضا، وقال الأخير : وقد رُوي هذا، وإن لم تَثْبُت روايته، فإنه معلوم من قرائن الحال. قالوا : أو تقديره : لقد ظلمك إن كان كذلك، واحْتمل (القشيري) أن يكون من شرعهم التعويل على قول المُدَّعِي، عند سكوت المُدَّعَى عليه.
واسْتَظَهَر( أبو عبد الله الحَليمي) الفقيه الشافعي في كتاب ((منهاج الدين)) له (كما حكاه القرطبي)(١٥/١١٧) أنه رأى في المتكلم مَخايل الضعف والهَضيمة – أي الظلم، و الغصب، و القهر - فحمل أمره على أنه مظلوم كما يقول، ودعاه ذلك إلى عدم سؤال الخصم، وقد ضَعَّف هذا غير واحد، منهم : أبو حيان في البحر.
أما (ابن حزم)، فإنه ذهب في ((الفِِصَل في الملل والأهواء والنحل)) (٤/١٥) إلى كون داود عليه السلام ظن أن يكون ما آتاه الله عز و جل من سعة الملك العظيم فتنة. فقد كان رسول الله ﷺ يدعوا أن يُثَبِّت الله قلبه على دينه، فاستغفر الله تعالى من هذا الظن، فغفر الله تعالى له هذا الظن، إذ لم يكن ما آتاه الله تعالى من ذلك فتنة. وحكاه القاضي (عياض) في ((الشفا)) (٢/١٤٤)، و لم يُسَمِّ من قال به، بل قال : قيل كذا، فذكره.
وقد آثر الحافظ (ابن كثير) في ((تفسيره))(٤/٣١)، وفي((البداية والنهاية)) (٢/١٦) الإعراض عن الأخبار الواردة في القصة جُملةً، ورأى أن الأَولى الاقتصار على مجرد تلاوة القصة، وأن يُردَّ علمُها إلى الله تعالى.