أما (النُّعمان الأَلُوسِي)، فإنه رأى في ((روح المعاني))(٢٣/١٨٦) أن ترك الأخبار بالكلية في القصة مما لا يكاد يقبله المُنْصِف. نعم، لا يقبل منها ما فيه إخلالٌ بمَنْصِب النبوة، ولا يقبل تأويلاً يندفع معه ذلك، ولا بد من القول بأنه عليه السلام لم يكن منه إلا ترك ما هو الأولى بعلي شأنه، والاستغفار منه، وهولا يُخِلُّ بالعصمة.
وللعلامة (ابن القيم) في ((الداء والدواء))( ص ٣٠٣)، قولٌ يظهر منه أنه يُقرُّ ببعض القصة، حيث قال وهو يتكلم عن تدواي العاشق بنكاح المعشوقة إن أمكن ذلك _ كأن تكون بلا زوجٍ، فيتزوجها إن كان مُوسرًا، أو تكون جارية فيشتريها : فنكاح المعشوقة هو دواء العشق، الذي جعله الله دواء ًشرعًا. وقد تداوى به داود عليه السلام، ولم يرتكب نبي الله محرمًا، وإنما تزوج المرأة، وضمَّها إلى نسائه، لمحبته لها. وكانت توبته بحسب منزِلته عند الله، وعُلو مَرتبته، ولا يليق بنا المزيد على هذا. قال العلامة (القاسمي) في ((محاسن التأويل))(١٤/٥٠٩٢) : وهذا منه تسليمٌ ببعض القصة، لا بتمامها، وهو من الأقوال فيها.
وقول (ابن القيم) : جعله الله دواءً شرعًا، يشير إلى الحديث الذي أخرجه ابن ماجه (١٨٤٧)، والطبراني في ((الكبير)) (١١/١٧، ٥٠)، واللفظ لهما، والحاكم (٢/١٧٤) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال :" لم يُرَ للمُتحابَّيْن مثل النكاح ". قال الحاكم : صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، لأن سفيان بن عيينة، ومعمر بن راشد أوقفاه، عن إبراهيم بن ميسرة، عن ابن عباس. وأقرَّ الذهبيُّ الحاكم، وصحَّح (البُوصيري) في ((زوائد ابن ماجه)) إسناد الحديث عنده، وعزاه (السيوطي) في ((الجامع الصغير)) (٧٣٦١) لابن ماجه والحاكم، ورَمَز لضعفه، وصحَّحه (ا لألباني) في ((صحيح الجامع))(٥٢٠٠). وليس لي حول هذا الحديث بحث مطول، والله أعلم.