والباعث لدى عثمان -رضي الله عنه- كثرة الاختلاف في وجوه القراءة، حين شاهد هذا الاختلاف في الأمصار وخطَّأ بعضهم بعضًا.
وجمع أبي بكر للقرآن كان نقلًا لما كان مفرَّقًا في الرِّقاع والأكتاف والعسب. وجمعًا له في مصحف واحد مرتب الآيات والسور. مقتصرًا على ما لم تُنسخ تلاوته، مشتملًا على الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن.
وجمع عثمان للقرآن كان نسخًا له على حرف واحد من الحروف السبعة، حتى يجمع المسلمين على مصحف واحد. وحرف واحد يقرءون به دون ما عداه من الأحرف الستة الأخرى. قال ابن التين وغيره: "الفرق بين جمع أبي بكر وجمع
عثمان، أن جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب حملته، لأنه لم يكن مجموعًا في موضع واحد، فجمعه في صحائف، مرتبًا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القراءة حتى قرءوه بلغاتهم على اتساع اللغات فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعضه، فخشى من تفاقم الأمر في ذلك، فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبًا لسوره، واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش، محتجًّا بأنه نزل بلغتهم، وإن كان قد وسع في قراءته بلغة غيرهم رفعًا للحرج والمشقة في ابتداء الأمر، فرأى أن الحاجة إلى ذلك قد انتهت، فاقتصر على لغة واحدة" وقال الحارث المحاسبي: "المشهور عند الناس أن جامع القرآن عثمان، وليس كذلك، إنما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد، على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار، لما خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات، فأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي أُنزل بها القرآن فأما السابق إلى جمع الجملة فهو الصديق"١.
وبهذا قطع عثمان دابر الفتنة، وحسم مادة الخلاف، وحصَّن القرآن من أن يتطرق إليه شيء من الزيادة والتحريف على مر العصور وتعاقب الأزمان.
وقد اختلف العلماء في عدد المصاحف التي أرسل بها عثمان إلى الآفاق.@