[٤] ومن هنا جاء كتاب الأستاذ محمود محمد شاكر، باحثا عن وجه إعجاز القرآن من وجه آخر مخالف لما سار عليه من سبقه ممن عرض للإعجاز. فالوجه الذي دلف منه الأستاذ شاكر إلى إعجاز القرآن لم يكن محاولة لبيان الإعجاز القرآني ذاته، بل هو محاولة لتأريخ البحث في علم إعجاز القرآن كيف جاء ؟ ولمَ جاء ؟ ثم هو فوق ذلك كما قال الأستاذ شاكر في مطلع المدخل الأول :( وهذه الفصولُ الثلاثة التي كتبتُها عن ( إعجاز القرآن )، تقصُّ عليك هذه القصة الطويلة العريضة في صفحات قلائل، وبمنهجي في تحليل الكلام وتحليل التاريخ، لأنه المنهجُ الذي التزمته فنجوت من شرٍّ مُستطيرٍ، ومن بلاءٍ ماحقٍ، ولكني أكتب هذه القصة، بعد أن انطمست ْ مَعَالم كانت لائحة قديماً ثم عَفَتْ. وبعد أن عزمتُ على أن أُعْفِيك من المسالك الوعرة، والأشواك المتشابكة، والظلمات المحيّرة، وحتى تألف طريقي وتعرفه معرفة تسهِّل عليَّ وعليك اقتحام المسالك والأشواك والظلمات ). فهذا الكتاب إذن ذو وجهين الأول تأريخٌ لعلم إعجاز القرآن كما وضعه علماؤنا قديما، والثاني بيان لمنهاج العلماء في النظر واستقراء لطرائق نظرهم ومداخلهم في البحث عن الإعجاز يعتمد على تحليل الكلام وتحليل التاريخ تحليلا يهدف [ لتأسيس [٥] علم خاص هو ( علمُ إعجاز القرآن )، يُضارع ( علمَ البلاغة )، الذي استدعى نشأتَه بحثُ أهلِ القرنين الثالث والرابع في ( إعجاز القرآن ) ]. لذا كان البحث عن تارخ نشأة كلمة ( إعجاز القرآن ) هو الأساس الأول الذي يصل بنا إلى تأسيس علم ( إعجاز القرآن ). وهكذا جاء هذا الكتاب نمطا فريدا بين كتب إعجاز القرآن، فهو لم يعن كسابقيه ببيان وجه الإعجاز، بل كانت جل عنايته منصرفة إلى تأسيس علم لإعجاز القرآن مستمدة أصوله من مباحث السلف.


الصفحة التالية
Icon