وابن عاشور إلى هذا وذاك لُغوي محقِّق بالمعنى الواسع لعلوم اللغة، سَلَّمَتْ له بالإمامة في ذلك المجامعُ العلمية كمجمعيْ دمشق والقاهرة اللَّذيْن اعتمداه عضواً مراسلاً بهما، وما تزال مداخلاته وأنظاره على صفحات مجلتيهما تنتظر الجمع والتحقيق والنشر.
ذلك فضلاً عن العدد الكبير من كتب اللغة والأدب ودواوين الشعر التي حققها، فمنها ما نشر، ومنها ما لا يزال مخطوطاً.
وللفلسفة والمنطق عند ابن عاشور مكانة وتقدير؛ فقد كان يدرِّس المنطق والحكمة، وكان كتاب النجاة للشيخ الرئيس أبي علي بن سينا من جملة الكتب التي درَّسها بجامع الزيتونة، جنباً إلى جنب مع المقدمة لابن خلدون، ودلائل الإعجاز لعبدالقاهر الجرجاني، والموافقات للشاطبي.. إلخ.
وهو كثيراً ما يستشهد بأقوال الفلاسفة وينوه بآرائهم، ويوظف مناهجهم في استدلالاته وتحليلاته، ويدرأ ما حاق بأنظارهم من سوء فهم وسوء تأويل.
أما ما قد يثير الاستغراب حقّاً فهو صلته بالطب التي تحتاج إلى تحقيق، خاصة وأن له في هذا كتاباً مخطوطاً بعنوان تصحيح وتعليق على كتاب الانتصار لجالينوس للحكيم ابن زهر.
أما التاريخ فله فيه كذلك آثار ما تزال مخطوطة منها كتاب (تاريخ العرب) وكتابات في السير والتراجم+.(١)
وقال الميساوي: =ولكن على الرغم من سمات الغزارة والتنوع والشمول والأصالة التي طبعت شخصيته فاصطبغت بها آثاره وأعماله _ فإن ما صُرِف له من عناية الباحثين وجهود الدارسين لا يكاد يفي بمعشار ما يستحق، بل إن طوائف كبيرة من المهتمين بحركة الفكر الإسلامي ومصائره في العصر الحديث لا يكادون يعرفون عنه شيئاً ذا بال، ناهيك عن عامة المثقفين وسائر جمهور المسلمين.

(١) _ مقدمة مقاصد الشريعة الإسلامية لابن عاشور، تحقيق ودراسة محمد الطاهر الميساوي ص١٦_١٧.


الصفحة التالية
Icon