فمن العسير العثور على دراسة علمية ضافية تترجم لشخصيته ترجمة موثقة ووافية، وتعرف بتراثه العلمي تعريفاً دقيقاً، فضلاً عن أن تحيط بذلك التراث تحليلاً لمكوناته وأبعاده، واستجلاءً لمواطن الأصالة والابتكار فيه، وتقديراً وتقويماً لمكانته في سياق حركة الفكر والثقافة الإسلاميين في موطن نشأته _تونس_ على وجه الخصوص، وفي العالم الإسلامي بوجه العموم.
بل إن آثاره العلمية لم يتح لها من الانتشار والتداول ما يجعلها في متناول الدارسين والباحثين، فضلاً عن سواهم من طلاب المعرفة والمثقفين.
فكثيرٌ مما طُبع منها قد تطاول عليه العهد ونفد من المكتبات، ولم يجد من أهل العزم من المحققين والناشرين من يتولَّى نفضَ الغبار عنه، وإخراجه للناس إخراجاً جديداً.
أما ما لَمْ يُطبع _وهو غزير_ فلا يزال طيَّ النسيان يقبع مخطوطاً على رفوف المكتبة العاشورية بالمرسى في تونس، ويتراكم عليه غبارُ السنين، وتتهدده آفاتُها بالإتلاف، وكأنما تواطأت صروفُ الزمان، وإهمال الإنسان أو تدبيرُه على تغييب مَعْلَمٍ مهم من معالِم الحياة الفكرية والعلمية للمسلمين في القرن العشرين!
فالرجل =لم يلق حظه+ كما قال بحق المرحوم الشيخ محمد الغزالي.
إن ابن عاشور ليس اسماً عاديّاً في محيط الثقافة الإسلامية، بل إن اسمه وجهاده قد ارتبطا ارتباطاً وثيقاً بواحدة من أهم مؤسسات هذه الثقافة وبرمز من أبرز رموزها في النصف الأول من القرن العشرين، ألا وهي جامعة الزيتونة.
وهو _بدون شك_ آخر العمالقة الذين عرفهم التاريخ المديد لهذه المؤسسة العريقة، قبل أن يتم الإجهازُ عليها، وطمسُها في ظل عهود الاستقلال الموهوم، والتحديث المزيف.


الصفحة التالية
Icon