٢- إدراك الحقيقة الواقعية، وهذا مما استأثر الله بعلمه، وهم لا يخوضون في القضايا الغيبية على طريقة المتكلمين والفلاسفة والروافض وغلاة الصوفية، بل يوجهون كل جهودهم إلى معرفة هذه الحقائق وتمييز بعضها عن بعض، ففي الصفات مثلا لا يحاولون إدراك معنى الصفة على ما هي عليه حقيقة، بل يحاولون التعرف على معنى الصفة كما وردت في القرآن الكريم، وفي الحديث النبوي الشريف، بحيث يفهمون من صفة القدرة غير ما يفهمونه من صفة الكلام والعلم وهكذا(١).
٣- والمعنى الثالث للتأويل استنبطوه من الحديث الذي روته السيدة عائشة :(كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي بتأول القرآن )(١) تعني قوله تعالى :﴿فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ﴾(٢).
والتأويل هنا معناه تنفيذ الأمر الرباني، أمرا كان أم نهيا.
ثانيا : الفرق بين تأويل الآية وفهم معناها :
…للتفريق بين تأويل الآية وفهم معناها، ناقش علماء أهل السنة ما إذا كان في القرآن شيء لا يدرك معناه، ومن ثم يحرم الخوض فيه.
…ومن خلال مراجعتنا لآراء كل من ابن عطية والطبري، والزركشي، وابن تيمية في هذا الموضوع، تبين لنا أنهم يعترفون بأن في القرآن أشياء استأثر الله تعالى بعلمها، وهي من قبيل الغيبيات كأسماء الله وصفاته، والجنة والنار، ونحو ذلك من الأمور الغيبية المستقبلية كخروج الدابة، والنفخ في الصور، وعدد النفخات، ومن ذلك قول الإمام الطبري :" وأن نمه ما لا يعلم تأويله إلا الله الواحد القهار، وذلك ما فيه من الخبر عن آجال حادثة، وأوقات آتية، كوقت قيام الساعة، والنفخ في الصور، ونزول عيسى بن مريم، وما أشبه ذلك، فإن تلك أوقات لا يعلم أحد حدودها ولا يعرف أحد من تأويلها إلا الخبر بأشراطها لاستئثار الله بعلم ذلك على خلقه "(١).