…وعلى هذا المعنى الذي أورده الإمام الطبري حملوا الاحاديث الواردة في النهي عن التفسير القرآني الكريم، يقول الزركشي في " البرهان " :" ولا يجوز تفسير القرآن بمجرد الرأي والاجتهاد من غير أصل لقوله تعالى :﴿ ولا تقف ما ليس لك به علم ﴾(٢) وقوله :﴿ وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ﴾(٣). وقوله تعالى: ﴿ لتبين للناس ما نزل إليهم ﴾(٤). فأضاف البيان إليهم، وعليه حملوا قوله ( :( من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار )(٥). رواه البيهقي من طرق، من حديث ابن عباس. وقوله ( :(من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ)(٦). أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي، وقال غريب من حديث ابن جندب.
…وقال البيهقي في "شعب الإيمان" هذا إن صح، فإنما أراد ـ والله أعلم ـ الرأي الذي يغلب من غير دليل قام عليه، فمثل هذا الذي لا يجوز الحكم به في النوازل، وكذلك لا يجوز تفسير القرآن به.
…وأما الرأي الذي يسنده برهان فالحكم به في النوازل جائز، وهذا معنى قول الصديق :" أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله برأيي"(١).
…وهذا الأمر نفسه دفع القرطبي (ت٦٧١هـ) في تفسيره " الجامع لأحكام القرآن"(٢) والإمام ابن عطية (ت ٥٤٦هـ) في تفسيره "الجامع المحرر الوجيز" إلى مناقشة الحديث الذي روته السيدة عائشة والذي بينت فيه أنه ( لم يكن يفسر من القرآن إلا بضع آيات وبوحي من الله عز وجل، يقول ابن عطية :" روي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت :(ما كان رسول الله ( يفسر من كتاب الله إلا آيات بعدد علمه إياهن جبريل)(٣).
…قال المؤلف ـ رحمه الله ـ :" ومعنى هذا الحديث في مغيبات القرآن، وتفسير مجمله ونحو هذا مما لا سبيل إليه إلا بتوفيق من الله تعالى، ومن جملة مغيباته ما لم يعلم الله به كوقت قيام الساعة ونحوه، ومنها ما يستقرأ من ألفاظه كعدد النفخات في الصور، وكرتبة خلق السموات والأرض"(١).