…أما المرحلة الثانية فيرد فيها على من يزعمون أن كل ما تضمنه القرآن يمكن تأويله، معتمدين في ذلك على حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي يدعو فيه لابن عباس أن يعلمه الله تأويل الكتاب. ون هؤلاء غلاة الشيعة والصوفية والملاحدة وغيرهم من الفرق الباطنية. يقول ابن تيمية :"وما أحسن ما يعاد التأويل إلى القرآن كله فإن قيل : فقد قال ( لابن عباس ( :( اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل )(١) قيل أما تأويل الأمر والنهي فذاك يعلمه، واللام هنا للتأويل المعهود، لم يقل : تأويل كل القرآن فالتأويل المنفي هو تأويل الأخبار التي لا يعلم حقيقة مخبرها إلى الله. والتأويل المعلوم هو الأمر الذي يعلم العباد تأويله، وهذا كقوله :﴿ هل ينظرون إلى تأويله يوم يأتي تأويله ﴾(٢). وقوله :﴿ بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله ﴾(٣). فإن المراد تأويل الخبر الذي أخبر فيه عن المستقبل، فإنه هو الذي " ينتظر " و " يأتى " و " لما يأتهم "، وأما تأويل الأمر والنهي فذاك في الأمر، وتأويل الخبر عن الله وعمن مضى إن أدخل في التأويل لا ينتظر. والله سبحانه أعلم "(٤).
…وأهل السنة يعترفون أن التفسير يعتمد النقل بالأساس، والتأويل يعتمد الإستدلال والإستنباط أساسا، ومن ثم راحوا يوضحون منهجهم في التأويل حتى لا يلتبس بمفهوم التأويل عند الفرق الضالة التي تلتجىء إليه انتصارا للرأي والمذهب والهوى.
يقول الزركشي في كتابه "البرهان" :"وكل لفظ احتمل معنيين فصاعدا فهو الذي لا يجوز لغير العلماء الإجتهاد فيه، وعلى العلماء اعتماد الشواهد والدلائل، وليس لهم أن يعتمدوا مجرد رأيهم فيه على ما تقدم بيانه، وكل لفظ احتمل معنيين فهو قسمان :
…أحدهما : أن يكون أحدهما أظهر من الآخر، فيجب الحمل على الظاهر إلا أن يقوم دليل على أن المراد هو الخفي دون الجلي فيحمل عليه.
…الثاني : أن يكونا جليين والإستعمال فيهما حقيقة. وهذا على ضربين :