أحدهما حقيقة لغوية، وفي الآخر حقيقة حقيقة شرعية. فالشرعية أولى إلا أن تدل قرينته على إرادة اللغوية نحو قوله تعالى :﴿ وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ﴾(١). وكذلك إذا دار بين اللغوية والعرفية، فالعرفية أولى لطريانها على اللغة، ولو دار بين الشرعية والعرفية، فالشرعية أولى لأن الشرع ألزم "(٢).
…وهذا النص الهام يبين لنا عنصرين هامين من عناصر المنهج السني :
…أولهما : أن أهل السنة لا يتنكرون لحقيقة قائمة كما هو الشأن بالنسبة للتأويل، فرغم أنهم يعلمون خطورته البالغة على عقيدة المسلم، وعلى كيان الدولة المسلمة ككل - إذ هو المدخل الذي تنفذ منه كل الدعاوي الباطلة والمذاهب الهدامة- رغم كل ذلك نجدهم يقررون أهميته، ويعترفون به لا كأمر واقع فحسب، بل كأداة منهجية يستدعى استخدامها النص القرآني، إذ هناك كثير من المواقف التي تتطلب من المفسر أن يستعمل فيها الإستدلال والإستنباط للوقوف على المعنى الحقيقي للآية أو السورة التي يروم تفسيرها.
…الثاني: إن قبولهم التأويل واعترافهم به لا يعني التسليم بكل تأويل، بل وضعوا المنهج القويم للتأويل المرتضى، وأسسوه على قاعدة منهجية وعلمية وموضوعية، بحيث يكون النص هو الذي يفرض الأداة المنهجية التي ينبغي أن نتعامل معه بها، وألا نسقط عليه أدوات منهجية غريبة عنه تفضي بنا ـ في النهاية ـ إلى مفارقات صارخة، وإلى نتائج غريبة عن طبيعة الإسلام العقدية والشرعية.