…فما ينبغي أن يعرف من موقف أهل السنة في قضية التأويل إجمالا أنهم لم يرفضوه بالكلية، وإنما رفضوا المعنى الأخير، الذي قال به متأخروا المتكلمين والفلاسفة والأصوليين وغيرهم، حيث يصرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به، وقد رفضوه لأنه استحدث في الأمة لأغراض غير نزيهة وغير علمية، ذلك أنه المدخل الذي تلج منه البدع والضلالات بعد أن تلبس ثوب الشريعة الإسلامية، وتصبغ بصبغتها في الظاهر، لتجنب نفسها المعارضة الشعبية التي كانت ستواجهها حتما إن هي أسفرت عن باطلها وضلالها.
…في الوقت نفسه نجد علماء أهل السنة يقررون المعنى القرآني للتأويل، وهو رد الشيء المخبر به إلى حقيقته وآماله، وينصون على أن ذلك مما استأثر الله تعالى بعلمه، ومن ثم لم يجوزوا الخوض فيه موضحين أن المنهج السليم هو إثبات المعنى الذي جاء به القرآن الكريم، والقول به من غير زيادة أو نقصان.
…كما أنهم قالوا بمعنى التأويل الذي ورد عن السلف وهو ما يفيد التفسير والبيان من جهة، وتنفيذ الأمر الرباني - أمرا كان أو نهيا - من جهة أخرى، وهذا مما أفاضوا الكلام فيه.
التأويل المقبول والتأويل المردود :
…يكاد أهل السنة يجمعون على قبول التأويل المبني على أصول اجتهادية صحيحة، وقواعد منهجية وعلمية مقررة وثابتة تمكن المفسر من سبر أغوار الخطاب القرآني ورفع الحجب عن معانيه.
…ومن هذا المنطلق نجدهم قد أسهبوا في مناقشة الأحاديث النبوية ورد النهي فيها عن التفسير بالرأي، منها ما رواه "يحيى بن طلحة اليربوعي، (١) قال حدثنا شريك (٢) عن عبد الأعلى(٣) عن سعيد بن جبير (٤) عن ابن عباس (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال :"من قال
في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)(١) (٢).
…والحديث الذي رواه ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- والذي جاء فيه :(من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار)(٣).


الصفحة التالية
Icon