…والزركشي لا يقرر هذا المبدأ المنهجي نظريا فقط، بل هو يقوم بمحاولة تطبيقية لنظريته، وذلك حتى يتسنى للباحثين من بعده الإستفادة منها، فيبين أن هناك ألفاظا مشكلة، وذلك لاحتمالها لمعنيين اصطلح عليهما بالظاهر والمؤول. والظاهر هو اللفظ الذي يحمل على المعنى المعجمي الصرف. أما المؤول فهو الذي لا يسعفنا المعجم في تحديد معناه، مما يضطرنا إلى الإستفادة من أداة منهجية تسعفنا في تحديد المعنى القرآني للكلمة، وهي دلالة السياق التي سيأتي الحديث عنها.
…"وقد يكون اللفظ محتملا لمعنيين، وهو في أحدهما أظهر فيسمى الراجع ظاهرا، والمرجوح مؤولا. …
…مثال المؤول قوله تعالى :﴿ وهو معكم أينما كنتم ﴾(٢) فإنه يستحيل حمل المعية على القرب بالذات، فتعين صرفه عن ذلك، وحمله إما على الحفظ والرعاية، أو على القدرة والعلم والرؤية، كما قال ( :﴿ ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ﴾(٣)... …
…ومثال الظاهر قوله تعالى :(فمن اضطر غير باغ ولا عاد}(١) فإن الباغي يطلق على الجاهل، وعلى الظالم وهم فيه أظهر وأغلب، كقوله :﴿ثم بغى عليه لينصرنه الله﴾(٢)...
…وقد يكون الكلام ظاهرا في شيء فيعدل به عن الظاهر بدليل آخر كقوله تعالى :﴿الحج أشهر معلوما﴾(٣) والأشهر اسم لثلاثة، لأنه أقل الجمع.
…وكقوله تعالى :﴿ فإن كان له إخوة فلأمه السدس ﴾(٤)، فالظاهر اشتراط ثلاثة من الإخوة، لكن قام الدليل من خارج على أن المراد اثنان، لأنهما يحجبانها عن الثلث إلى السدس"(٥).